الفصل الثالث
في تعلق العلم الواحد الحادث بمعلومين (١)
وقد أختلف في ذلك :
فمذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، وكثير من المعتزلة : أنّ العلم الواحد الحادث لا يتعلق بمعلومين على التفصيل.
وذهب بعض أصحابنا : إلى جواز ذلك مطلقا (٢).
ومن أصحابنا : من فصل بين العلم الضّرورى ، والنّظرى : فجوّز ذلك في العلم الضّرورى دون النّظرى : كالشّيخ أبى الحسن الباهلى (٣).
والّذي ارتضاه القاضى أبو بكر ، وأبو المعالى (٤) : أنّ كل معلومين يتصوّر العلم بأحدهما مع إمكان عدم العلم بالآخر : كالسّواد ، والبياض ، والقديم ، والحادث ، ونحوه ؛ فلا يتصوّر تعلق العلم الواحد الحادث بهما.
وكل معلومين لا يتصوّر فرض العلم بأحدهما (٥) ؛ مع إمكان عدم العلم بالآخر : كالعلم بالعلم بالشيء ، والعلم بذلك الشيء ، فإنّه لا يتصوّر العلم بالشيء مع إمكان عدم العلم بالعلم بذلك الشيء وكذلك بالعكس ، وكالعلم بمماثلة أحد الشيئين للآخر ، مع العلم بمماثلة الآخر له ؛ فإنّه لا يتصوّر انفكاك العلم بأحدهما عن العلم بالآخر ، وكذلك في طرق المضادة والمخالفة ؛ بل وكالعلم بالنسبة الواقعة بين المفردات إيجابا وسلبا ؛ فإنه لا يمكن انفكاكه عن العلم بالمفردات : كالعلم بأن الإنسان حيوان ، وأنه ليس بحجر ؛ فلا بد وأن يكون العلم بهما واحدا.
__________________
(١) انظر المحصل للرازى ص ٧٠ والمواقف للإيجي ص ١٤١ ، ١٤٢ ، وشرح المقاصد للتفتازانى ١ / ١٧٢ ، ١٧٣.
(٢) منهم عبد القاهر البغدادى انظر أصول الدين ص ٣٠ ، ٣١.
(٣) الشيخ أبو الحسن الباهلى : من أشاعرة الطبقة الأولى. تلميذ إمام أهل السّنة أبى الحسن الأشعرى ، وأستاذ أبى إسحاق الأسفرايينى ، والقاضى الباقلانى.
(٤) وهذا الرأى هو الّذي ارتضاه الآمدي أيضا.
(٥) في ب (بآخر).