ثم وإن سلمنا التماثل. غير أن الحدوث غير مستند إلى ذات الإله ، وطبعه ؛ بل إلى القدرة والاختيار.
وعند ذلك : فلا يمتنع قصد أحدهما لتخصيصه ، دون الآخر.
وإن تمسك المعتزلة بهذا المسلك ؛ فقد ناقضوا أصلهم فى القول بامتناع اختصاص أحد المتماثلين بحكم لا وجود له فى الآخر ؛ حيث زعموا : أن الإرادة القائمة لا فى محل ؛ مماثلة للإرادة القائمة فى محل مع اختلافهما فى حكم افتقار إحداهما إلى المحل دون الأخرى. /
وكذلك حكموا بتماثل العلم والجهل ، مع افتراقهما فى صفتيهما ، وبتماثل الأعراض التى لا بقاء لها مع اختلافها باختصاص كل واحد منها بزمن لا يوجد فيما قبله ولا بعده ، إلى غير ذلك.
وناقضوا أصلهم أيضا : فى امتناع مقدور واحد بين قادرين. حيث قالوا : بجواز تولد فعل واحد من اعتمادين صادرين عن قادرين ، ويلزم أن يكون فعلا لكل واحد منهما.
المسلك السادس :
أنا لو فرضنا وجود إلهين لكل واحد منهما من صفات الإلهية ما للآخر ، ولم ينفصل أحدهما عن الآخر بزمان ، ولا مكان ، ولا بصفة من الصفات ، ولا بعلم يميز أحدهما عن الآخر بصدور الفعل ؛ فإنه ما من فعل إلا ويجوز صدوره من كل واحد منهما. وكل موجودين لا يمكن التوصل إلى تمييز أحدهما عن الآخر ؛ فالعلم بهما يكون ممتنعا
وهذه الطريقة مما اعتمد عليها حذاق المعتزلة (١) ، وبعض أصحابنا ؛ وهى بعيدة عن التحصيل ؛ فإنه وإن قدر عدم امتياز أحدهما عن الآخر بالصفات الزائدة على ذاتيهما ؛ فلا يمتنع التمايز بالنظر إلى ذاتيهما ، ويكون الاختلاف بينهما لذاتيهما. وإن اشتركا فى الصفات العامة لهما.
__________________
(١) لتوضيح رأى المعتزلة فى الوحدانية بالتفصيل :
انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٢٧٧ ـ ٢٩٨ والمحيط بالتكليف له ص ٢١٧ ـ ٢٢٨ والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل له أيضا الجزء الرابع ص ٢٤١ ـ ٣٤٦ والجزء الخامس ص ٩ ـ ١٥٩.