ثم وإن سلم امتناع التوصل إلى التمييز بالدليل ؛ فلا يلزم امتناع العلم بالتمييز ؛ لجواز خلق العلم الضرورى بذلك. وإن سلمنا امتناع العلم بذلك مطلقا ؛ ولكن لا يلزم من امتناع العلم بتمييز أحدهما عن الآخر ، امتناع وجودهما فى نفس الأمر ؛ فإن انتفاء العلم بالشيء لا يدل على عدمه فى نفسه.
المسلك السابع :
لو (١) قدر (١) وجود إلهين لم يخل : إما أن يقدر كل واحد منهما على نصب دلالة تختص بالدلالة عليه ، أو لا يقدر على ذلك ، أو يقدر أحدهما دون الثانى.
لا جائز أن يقال بالأول : إذ الدال على الصانع إنما هو صنعه ، ولا يتصور وجود صنع يعلم اختصاصه بأحدهما.
ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا فهما عاجزان ، والعاجز لا يكون إلها كما تقدم.
فلم يبق إلا الثالث : وهو أن يكون أحدهما قادرا ، والآخر عاجزا. والعاجز ليس بإله ، والقادر هو الإله ، فلا تعدد فى الآلهة.
وهذا المسلك أيضا مما اعتمد عليه بعض أصحابنا والمعتزلة ، وهو ضعيف أيضا. فإنا إذا (٢) فرضنا وجود إلهين ، وقدرنا استحالة قدرة / كل واحد منهما على نصب دلالة عليه تخصه ـ بما سبق تقريره فى القسم الأول ـ فلا يكون كل واحد منهما عاجزا مع فرض استحالة المقدور عليه. ولهذا فإن الإله لا يوصف بكونه عاجزا عن الجمع بين الضدين ، وإيجاد المحالات.
وعلى هذا فلا يلزم مما ذكروه خروج كل واحد منهما عن الإلهية.
وإن شئت قلت : إما أن يكون نصب الدلالة الخاصة بكل واحد منهما ممكنة ، أو غير ممكنة.
فإن كانت ممكنة : فقد بطل ما ذكروه فى تقرير القسم الأول.
__________________
(١) فى ب (أنا لو قدرنا).
(٢) فى ب (لو).