وإن لم تكن ممكنة : فلا يكون الإله موصوفا بالعجز عن إيجاد ما ليس بممكن كما تقرر. وبه إبطال ما قيل فى القسم الثانى.
وربما انفردت المعتزلة بمسلك آخر بناء على أصلهم فى أن الله ـ تعالى ـ مريد بإرادة حادثة لا فى محل.
قالوا (١) : فلو (١) قدرنا وجود إلهين ، فالإرادة الحادثة لا اختصاص لها بأحدهما دون الآخر.
وعند ذلك : فيلزم أن يكون كل واحد منهما مريدا بتلك الإرادة ، ويلزم من ذلك أن تكون العلة الواحدة موجبة لحكمين فى محلين ؛ وهو محال ، ولهذا يمتنع أن يكون العلم الواحد موجبا لعالميتين فى محلين مختلفين. وبطلان هذا المسلك أظهر من حيث أنهم بنوه على كون الإله (٢) تعالى مريدا بإرادة حادثة لا فى محل ، وقد سبق بطلانه (٣).
ثم وإن سلم ذلك ؛ ولكن لم قالوا : بامتناع إيجاب العلة لحكمين فى محلين؟ وما ذكروه من الاستشهاد بالعلم فلو قال قائل : إنما امتنع عليه ذلك لاشتراط قيامه بمحل الحكم ، وامتناع قيامه بمحلين بخلاف الإرادة ؛ لم يجد (٤) إلى دفعه سبيلا.
حتى أنه لو قيل بجواز وجود علم لا فى محل كما قيل فى الإرادة ؛ لما كان ذلك عليه ممتنعا.
وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على امتناع إيجاب العلة لحكمين فى محلين ، غير أنه ينتقض على أصولهم بالفناء المضاد للجوهر ؛ فإنه مخلوق لا فى محل على أصلهم. ومع ذلك يوجب كون كل جوهر فانيا مع عدم اختصاصه بواحد من الجواهر.
وعلى هذا فإذا (٥) كانت الطرق العقلية الدالة على الوحدانية مضطربة غير يقينية.
فالأقرب فى الدلالة. إنما هو الدلالة السمعية على ما ذهب إليه حذاق المعتزلة. وذلك قوله ـ تعالى ـ : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٦) ووجه الاحتجاج به. أنه
__________________
(١) فى ب (وهو أن قالوا لو).
(٢) فى ب (البارى).
(٣) انظر ل ٦٩ / ب وما بعدها.
(٤) فى ب (يجدوا).
(٥) فى ب (فإن).
(٦) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٢.