أنه لو أراد مريد تقرير حالة للسماء والأرض فى أكمل مما هى عليه ؛ لقد كلف نفسه شططا. والاحتجاج إنما يكون بما هو مفهوم ، لا بما هو غير مفهوم.
الثانى : أن الآية على ما سبق ـ إنما وردت لتقريع من اعتقد آلهة غير الله ـ تعالى ـ فلو كان الفساد حاصلا ؛ لكان ذلك تقريرا ، لا تقريعا.
الثالث : أن حرف لو فى اللغة مشعر بامتناع الشيء ، لامتناع غيره. لا بوجود الشيء لوجود غيره ، وفى القول بتحقيق الفساد قلب الواجب.
قولهم : لا يلزم من ذلك انتفاء الشريك الواحد ، وإن لزم منه انتفاء الشركاء.
قلنا : الآية حجة فى انتفاء آلهة غير الله ـ تعالى ـ بلفظها وهى حجة فى نفى الشريك الواحد بالنظر إلى معناها ؛ لأن انتفاء الآلهة ، إنما كان لازما من انتفاء لازمه ، وهو الفساد اللازم من الاختلاف بينهم ، فالواحد منهم لو قدر منفردا عنهم مع الله ـ تعالى ، لكان من جملة المخالفين ؛ فيكون الفساد لازما له أيضا ، ويلزم انتفاؤه من انتفاء لازمه.
قولهم : الآية تدل على وجود إله غير الله ـ تعالى ـ نظرا إلى المفهوم.
قلنا : لا نسلم أن المفهوم حجة. وإن سلمنا أنه حجة ، فلا يقع فى معارضة معنى المنطوق.
/ وما ذكروه من المعارضة بالمعنى عنه جوابان :
الأول : أن الاستدلال على وجود الإله ، إنما هو مستند إلى حدوث الجائزات ، وافتقارها إلى المرجح من حيث هى جائزة ، ولا اختلاف بينها فيه ، والفاعل لها إنما يزيدها من جهة حدوثها ووجودها ، والوجود من حيث هو وجود ، ليس بشر حتى يمتنع صدوره عن مريد الخير ؛ بل الشر إما عدم ذات ، أو كمال ذات ، كما يقول الفلاسفة. أو عبارة عن مخالفة الأعراض ، كما يقوله المتكلم ، وليس ذلك من باب الإحداث ، والإيجاد فى شيء ؛ فلا يكون مراد الوجود ، والحدوث.
الثانى : أنا لو قدرنا أن ذلك مما يصح قصده ، وإرادته ؛ ولكن لا نسلم امتناع إسناده إلى مريد الخير ، وإنما يمتنع ذلك على فاسد أصول القائلين بالصّلاح ، والأصلح ، وتحسين العقل ، وتقبيحه للأشياء فى ذواتها ، وسيأتى (١) وجه إبطاله ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر ل ١٧٥ / أوما بعدها.