وذهب بعض المعتزلة : إلى الفرق فقال : القبح متميز بصفة موجبة لتقبيحه بخلاف الحسن.
وعلى هذا تفرع الخلاف بينهم فى أمرين :
الأول : أن الضرر المحض الّذي يصدر عن الصبيان ، والبهائم. هل يوصف بكونه قبيحا ، أم لا؟ وكذلك الكذب الصادر من الصبيان إذا عرى عن النفع. هل يوصف بكونه قبيحا ، أم لا؟ فمن مال إلى مذهب الأوائل منهم : حكم بنفى التقبيح. ومن مال إلى مذهب الجبائى ؛ حكم بالتقبيح.
الثانى : الاختلاف فى العبارات الحدية الدالة على معنى الحسن والقبيح ، فمن قال إن الحسن والقبيح غير مختص بصفة موجبة للتحسين ، والتقبيح.
قال فى حد الحسن : هو الفعل الّذي لا يستحق فاعله الذم عليه ، والمراد من الذم : الإخبار المنبئ عن نقص حال المخبر عنه مع القصد لذلك. ولو لا القصد لما كان ذما.
وهو باطل من وجهين :
الأول : أنه يلزم عليه أفعال البهائم ؛ فإنها لا تستحق الذم عليها ، ولا توصف أفعالها بكونها حسنة بموافقة من الخصوم ، وكل قائل بمجارى العادات.
الثانى : أنه يلزم عليه ترك القبح ؛ فإنه حسن عندهم ، وليس بفعل ؛ بل هو ترك فعل.
ومنهم من زاد فى الحد : مع علمه به. احترازا عن الإلزام بالبهائم ، وهو فاسد أيضا ؛ فإن تعلق العلم بالمعلوم لا يغير صفته ؛ بل يتعلق به على ما هو عليه ، وإلا كان (١) العلم به جهلا.
فإن كان الفعل حسنا فى نفسه ؛ فعدم تعلق العلم به لا يخرجه عن كونه حسنا. فإذا أخذ تعلق العلم به فى رسم الحسن كان منتقضا بما ليس بمعلوم (٢) ، وإن لم يكن حسنا فى نفسه ، فتعلق العلم به لا يجعله حسنا. وإذا كان كذلك : لم يكن أخذ تعلق العلم به مفيدا فى الرسم ، وبقى الإلزام بحاله.
__________________
(١) فى ب (لكان).
(٢) فى ب (بحسن).