وأما من قال بالتفرقة بين الحسن ، والقبيح : قال فى الحسن : هو الفعل العارى عن جميع وجوه القبح. وقال فى القبح : هو ما ليس للقادر عليه فعله مع وقوعه على وجه يقتضي تقبيحه.
وهو فاسد من وجهين :
الأول : أنه مبنى على أن القبح وصف ذاتى للقبيح ، وسيأتى إبطاله (١).
الثانى : أنه ليس تعريف الحسن بأنه الّذي انتفت عنه جميع وجوه القبح أولى من تعريف القبح بأنه الّذي انتفت عنه جميع وجوه الحسن.
ثم اتفق القائلون بتحسين الأفعال وتقبيحها عقلا : على أن من فعل فعلا حسنا ، واستحق عليه ثناء ، وثوابا ؛ أو فعل فعلا قبيحا ، واستحق عليه ذما وعقابا ؛ أنه لا بد وأن يكون ذلك لصفة عائدة إلى نفس الفاعل يستحق بها الثواب ، والثناء ، أو الذم ، والعقاب ، غير الصفة الموجبة للتحسين ، والتقبيح ؛ وسيأتى إبطاله.
ومذهب أهل الحق من الأشاعرة (٢) وغيرهم :
أن الحسن ، والقبح ليس وصفا ذاتيا للحسن ، والقبيح ، ولا أن ذلك مما يدرك بضرورة العقل ، أو نظره ؛ بل إطلاق لفظ الحسن ، والقبيح عندهم باعتبارات غير حقيقية ؛ بل إضافية يمكن تغيرها ، وتبدلها بالنظر (٣) إلى الأشخاص ، والأزمان والأحوال وهى ثلاثة :
الأول : أن الأفعال تنقسم : إلى ما وافق الغرض ؛ فيسمى حسنا. وإلى ما خالف الغرض ؛ فيسمى قبيحا. وإلى ما لا يوافق ، ولا يخالف ؛ فيسمى عبثا.
__________________
(١) انظر ما سيأتى فى الصفحات التالية.
(٢) لتوضيح مذهب أهل الحق من الأشاعرة وغيرهم ، وردهم على خصومهم بالتفصيل :
انظر اللمع للأشعرى ص ١١٧ ـ ١٢٢ والإرشاد لإمام الحرمين ص ٢٥٨ ـ ٢٦٧ والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٧٣ ـ ٨١ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٣٧٠ ـ ٣٩٦ والمحصل للرازى ص ١٤٧ ومعالم أصول الدين له أيضا ص ٨٤ على هامش المحصل.
ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ٢٣٣.
ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح الطوالع ص ١٩٥ ، ١٩٦ وشرح المواقف ٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٨ وشرح المقاصد ٢ / ١٠٩ ـ ١١٣.
(٣) فى ب (بالنسبة).