وقع من أفعال العباد قبل ورود الشرع بالحسن ، والقبح بتقدير ورود الشرع بالثناء ، أو الذم عليها. وإن كانت لا توصف بكونها حراما ، ولا واجبة ، ولا مندوبة ؛ فإن ذلك يتعلق بخطاب التكليف ؛ ولا تكليف بما مضى من الأفعال قبل ورود الشرع ، ولا يصير مكلفا بها بخطاب وجد بعد انقضائها. وهذا بخلاف ورود الأمر بالثناء ، أو الذم على ما مضى.
فإن قيل : إذا كان فعل الله ـ تعالى ـ حسنا بكل حال ، وأفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ عندكم ، وأنه لا أثر للقدرة الحادثة فيها ؛ فهى فعل الله ـ تعالى ـ ؛ فتكون حسنة بكل حال. فكيف قضيتم على بعضها بالتقبيح؟
وقد اختلف أصحابنا فى ذلك :
فمنهم من قال : إن القدرة الحادثة مؤثرة فى المقدور ، ومقتضية له حالا.
ومنهم من قال : بالكسب من غير تأثير ، على ما يأتى تحقيق القول فيه. وعلى هذا فالحكم بالتقبيح إنما هو على فعله ، أو كسبه ، لا على فعل الله تعالى.
ولنا فى المسألة أنا نقول :
لو كان شيء من الأفعال قبيحا لذاته ، لم يخل : إما أن يكون المفهوم من كونه قبيحا ، هو نفس ذات ذلك الفعل ، أو زائد عليه.
لا جائز أن يكون هو (١) نفس ذات (١) الفعل : لثلاثة أوجه :
الأول : هو أنا قد نعقل / ذات الفعل ، ونجهل كونه قبيحا : كالكذب الّذي فيه نفع إلى أن نعرف قبحه (٢) بالنظر كما هو مذهبهم ؛ والمعلوم غير المجهول.
الوجه الثانى : أنه (٣) لو كان هو (٣) نفس ذات الفعل ؛ لكان يلزم أن ما حكم بكونه قبيحا ، أو يكون مماثله قبيحا ؛ ضرورة الاشتراك فى مفهوم الذات ، ويلزم من ذلك أن يكون القتل المستحق قبيحا ؛ ضرورة مماثلته لما هو قبيح فى ذاته ، وهو القتل الّذي ليس بمستحق.
__________________
(١) فى ب (نفس).
(٢) فى ب (نفعه).
(٣) فى ب (لو كان).