قلنا : هذه الصفات إنما هى أمور اعتبارية ، وصفات وهمية تقديرية. يقدرها المقدر ، ويفرضها الفارض ، وليس لها مدلول هو فى نفس الأمر صفة ثبوتية للفعل ، ولا سلبية.
فإن قالوا : والمفهوم (١) من القبيح كذلك / ؛ فقد خرج القبيح عن أن يكون قبيحا لذاته ؛ وهو المطلوب.
ومن هذا المسلك يقتضي الاستدلال على أن الفعل لا يكون حسنا لذاته أيضا. وقد احتج الأصحاب فى المسألة بمسالك ضعيفة :
المسلك الأول :
أنهم قالوا : لو كان الكذب قبيحا لذاته ؛ فلو قال القائل : إن عشت ساعة أخرى كذبت. فعند حضور تلك الساعة. إن كذب ؛ فقد صار خبره الأول ـ صادقا. وإن صدق ؛ كذب خبره الأول.
وعند ذلك : فإما أن يكون الحسن منه فى تلك الساعة الصدق ، أو الكذب
فإن كان الصدق : فيلزمه الكذب فى الخبر الأول ؛ وهو قبيح. وما لزم منه القبيح ؛ فهو قبيح ، فيكون الحسن قبيحا.
وإن كان الحسن فيه (٢) الكذب : فليس الكذب قبيحا لذاته ؛ وهو ضعيف من ثلاثة أوجه :
الأول : هو أن لقائل أن يقول : ما المانع من أن يكون الصدق فى تلك الساعة هو الحسن؟ ولا نسلم أنه يلزم من ملازمة القبيح له أن يكون قبيحا. وليس العلم بذلك ضروريا ، وإن كان نظريا ؛ فلا بد من إثباته.
الثانى : سلمنا اتصاف ما لازمه القبح بالقبح ؛ ولكن ما المانع من كونه قبيحا من جهة ملازمة القبيح له؟ ومن كونه حسنا من جهة تعلقه بالمخبر عنه على ما هو به؟
وعلى هذا : فالفعل المطلق لا يوصف بكونه حسنا ، ولا قبيحا دون النظر إلى الوجوه والاعتبارات على ما سبق من مذهب أوائل المعتزلة ، وعند (٣) اختلاف الوجوه ، والاعتبارات ، فلا مانع من الحكم (٤).
__________________
(١) فى ب (المعلوم).
(٢) فى ب (هو).
(٣) فى ب (وهذا).
(٤) فى ب (الجمع).