المحكوم بقبحه إنما هو ذلك اللفظ مشروطا بعدم زيد فى الدار ، والعدم وإن لم يكن علة مقتضية للأمر الثبوتى ، ولا جزء علة ، فلا يمتنع أن يكون شرطا. وعند ذلك : فما ذكر من لزوم المحال لا يكون لازما.
المسلك الثالث :
أنه لو كان الخبر الكاذب قبيحا عقلا ، فالمقتضى لقبحه : إما أن يكون صفة لمجموع حروفه ، أو لآحادها.
لا جائز أن يقال بالأول : لاستحالة وجود جملة حروفه معا ، وما لا وجود له امتنع أن يكون متصفا بصفة مقتضية لأمر ثبوتى ؛ لأن المقتضى للأمر الثبوتى لا بد وأن يكون ثبوتيا ، والأمر الثبوتى لا يكون صفة للعدم.
ولا جائز أن يقال بالثانى : لأن جهة اقتضاء القبح فى الخبر الكاذب إنما هو الكذب ، والكذب لا يقوم بكل واحد من آحاد الحروف ، وإلا كان كل حرف خبرا ؛ وهو محال.
ولقائل أن يقول :
ما ذكرتموه إنما يصح أن لو كان تقبيح الأفعال وتحسينها بسبب اختصاصها بصفات (١) موجبة للتحسين ، والتقبيح ؛ وهو غير مسلم ؛ بل كون الفعل قبيحا ، أو حسنا إنما هو من الصفات النفسية : مثل كون الجوهر جوهرا ، والعرض عرضا ، ونحو ذلك ؛ وذلك لا يستدعى علة مقتضية له على ما سلف من إيضاح مذهب الأوائل من المعتزلة.
سلمنا ذلك ؛ ولكن ما المانع من أن يكون الحكم بالقبح على كل واحد من الحروف عند وجوده مشروطا؟
أما الحرف الأول : فبوجود باقى الحروف بعده. والأخير : بوجود الباقى قبله ، والمتوسط : بوجود السابق ، واللاحق.
والقول بأن الجهة المقتضية للقبح ، إنما هى الكذب. وهو فلا يقوم بكل (٢) واحد (٢) من آحاد الحروف ؛ فيلزم منه امتناع وجود الكذب ؛ لاستحالة اتصاف كل واحد من الحروف بتقدير وجوده بالكذب ، واستحالة اتصاف الجملة لتعذر اجتماعها ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى ب (بصفة).
(٢) ساقط من ب.