الرابعة : أنه لو توقف معرفة الحسن والقبح ، على ورود الشرع ؛ لتوقف معرفة الوجوب على الشرع ، ولو توقف معرفة الوجوب على الشرع ؛ للزم منه إفحام الرسل على ما سبق فى قاعدة النظر (١).
الخامسة : أنه لو توقف معرفة الحسن ، والقبح على ورود الشرع ؛ لما كانت أفعال الله ـ تعالى ـ قبل ورود الشرع حسنة ؛ وهو خروج عن العقل ، والدين.
السادسة : لو كان لا معنى للحسن والقبح ، إلا ورود الشرع بالإطلاق والمنع ؛ لجاز من الله ـ تعالى ـ أن يأمر بالمعاصي ، وينهى عن العبادات.
السابعة : أنه لو كان الحسن ، والقبح متوقفا على ورود الشرع ؛ لجاز إظهار المعجزات على يد الكاذب فى رسالته ؛ وذلك مما يقدح فى تصحيح النبوات الثابتة.
الثامنة : أنه لو توقف معرفة الحسن ، والقبح على ورود الشرع ؛ لامتنع الحكم بنفى القبح عن الكذب فى حق الله ـ تعالى ـ ، والجهل عليه ؛ وهو ممتنع.
التاسعة : أنه لو توقف معرفة الحسن ، والقبح على ورود الشرع دون (٢) العقل ؛ لما حكم (٢) بهما من لم يعتقد الشرائع ، واللازم ممتنع ؛ فكذا الملزوم.
العاشرة : أنه لو توقف الحسن ، والقبح على ورود الشرع ؛ لامتنع تعليل شرع لأحكام ، والأفعال بالمصالح ، والمفاسد ، وفى ذلك سد باب القياس ، وتعطيل أكثر الوقائع عن الأحكام ؛ ولم يقولوا به.
والجواب :
أما الشبهة الأولى الاستدلالية (٣) : فلا نسلم إجماع العقلاء على الحسن ، والقبح فيما قيل ؛ فإن من الملاحدة من لا يعتقد ذلك ؛ وهم من جملة العقلاء. كيف وإن من صور النزاع ، قبح إيلام البهائم من غير جرم ، ولا عوض ، ونحن لا نوافق عليه ؛ بل نقول : يحسن من الله ـ تعالى ـ إيلام البهائم من غير جريمة ولا عوض.
__________________
(١) انظر ل ٢٦ / ب وما بعدها.
(٢) فى ب (لم يحكم).
(٣) فى ب (عن الشبه الاستدلالية).