وأما الإشكال الثانى : فهو بعينه لازم فى حق السيد ، فإنه إذا علم الله ـ تعالى ـ من عبيد السيد مع اطلاعه على ارتكابهم للفواحش أنه لا بد وأن تقع الفواحش منهم. وأنهم لا ينزجرون ؛ فلا يكون زجرهم من جهة السيد مقدورا له ؛ فترك ذلك لا يكون مستقبحا.
ومع ذلك فقد استقبح عرفا ، ولم يستقبح فى حق الغائب عرفا ؛ فافترقا.
والجواب عن الشبه الإلزامية :
أما الأولى : فلا ننكر أن العاقل قبل ورود الشرع يحسن الإحسان ، ويقبح الإساءة ؛ لكن لا نسلم أن مستند ذلك قبح الفعل ، وحسنه فى نفسه ؛ بل مستند ذلك ، وإن لم يكن هو الشرع ، فموافقة الغرض ، ومخالفته ، أو اتباع العرف العادى حتى أنه لو فرض انتفاء / ذلك ؛ فلا نسلم أن العاقل يحسن الإحسان ، ويقبح الإساءة.
وعن الشبهة الثانية : أنا لا ننكر أن حقيقة القبح معلومة قبل ورود الشرع ؛ لكن بمعنى مخالفة الغرض ، أو بمعنى أنه الّذي يرد الشرع فيه بالنهى والمنع من الفعل.
ولا نزاع فى ذلك وإنما النزاع فى كون الحسن ، والقبح ذاتيا لما وصف به من الأفعال ، وليس فى فهم معنى القبح بالاعتبار المذكور ما يوجب كونه ذاتيا ؛ لما وصف (١) به.
وعن الشبهة الثالثة : أنا (٢) لا ندعى أنه لا حسن إلا ما أمر به ، أو أذن فى فعله. حتى يقال : بأن أفعال الله ـ تعالى ـ ليست حسنة ، أو أن يكون مأمورا بها ، ومأذونا فيها ؛ بل ما أمر الشارع بفعله ، أو أذن فيه ؛ فهو حسن ، ولا ينعكس كنفسه ؛ بل قد يكون الفعل حسنا باعتبار موافقته (٣) للغرض (٣) ، أو باعتبار أنه مأمور بالثناء على فاعله.
وبهذا الاعتبار كان فعل الله ـ تعالى ـ حسنا ؛ سواء وافق الغرض ، أو خالف.
وعن الشبهة الرابعة : ما مر وسبق (٤) فى وجوب النظر.
وعن الشبهة الخامسة : أن الحسن ، والقبح وإن كان قد يفسر بورود الشرع بالمنع والإطلاق ؛ فلا نسلم أنه لا حسن ، ولا قبح إلا بالشرع حتى يلزمنا ما قيل ؛ بل الحسن ،
__________________
(١) فى ب (يوصف).
(٢) فى ب (أنه).
(٣) فى ب (موافقة الغرض).
(٤) ساقط من ب انظر ل ٢٩ / أوما بعدها. الرد على الإشكال العاشر.