«المسألة الثانية»
فى أنه لا حكم قبل ورود السمع
مذهب أهل الحق من الأشاعرة ، وغيرهم : أن الأحكام بأجمعها سمعية ، وأنه لا حكم قبل ورود السمع.
وذهب المعتزلة ـ بناء على فاسد أصولهم فى التحسين ، والتقبيح عقلا ـ : إلى أن الأفعال منقسمة إلى حسنة ، وقبيحة كما عرف.
فأما الحسن : فقالوا : ينقسم إلى ما يقضى العقل فيه باستواء فعله وتركه فى النفع ، وانتفاء الضرر عنه : ويسمى مباحا. وربما قال بعضهم إن المباح ليس حسنا ـ ، وإلى ما فعله أولى من تركه.
ثم ما فعله أولى من تركه : منه ما يلحق للذم بتركه : فيسمى واجبا. ومنه ما لا يلحق الذم بتركه : فيسمى مندوبا.
ثم قسموا الواجب العقلى فقالوا : لا يخلو : إما أن يكون وجوبه لمعنى فى نفسه ، أو لا لمعنى فى نفسه ؛ بل لغيره.
فإن كان الأول : فهو كشكر (١) المنعم ، والإيمان ، والعدل ، والإنصاف ، ونحو ذلك.
وإن كان الثانى : فمنه ما يستقل العقل بدركه : كوجوب النظر. ومنه ما لا يستقل العقل بدركه دون السمع : كوجوب العبادات من جهة ما فيها من اللطف المانع من الفحشاء.
واختلفوا فى وجوب الفعل ، الّذي يلزم منه ترك القبيح ، من حيث هو ترك للقبيح (٢).
فقال بعضهم : إن اتحد الترك كان واجبا ، وإن تعدد لا يكون الواحد من التروك واجبا ، وإلا كان المباح الّذي يلزم منه ترك الحرام واجبا.
وقال الكعبى : ما كان تركا للحرام ؛ فهو واجب. من حيث هو ترك [الحرام] (٣) وإن كان مباحا.
واختلفوا أيضا فى عدم فعل القبيح ، هل هو واجب ، أم لا؟
__________________
(١) فى ب (شكر).
(٢) فى ب (القبيح).
(٣) فى أ (للواجب).