سلمنا دلالة ما ذكرتموه على حصر مدارك الأحكام فى الشرع ؛ ولكنه معارض بما يدل على امتناعه ؛ وذلك أنا لو حصرنا مدارك الأحكام فى الشرع ؛ لأفضى إلى إفحام الرسل ، كما أسلفناه فى وجوب النظر (١).
والجواب عن السؤال الأول : أن المقصود من الآية إنما هو انتفاء الأحكام قبل ورود الشرع لا بعده ؛ لوقوع الاتفاق عليه ، ووقوع الخلاف قبله (٢) ، وبه جواب السؤال الثانى أيضا.
وعن الثالث : أن وقوع العذاب بالفعل ، وإن لم يكن لازما للوجوب والحظر ملازمة عدم الأمن من العذاب ـ كما تقدم ـ واللازم قبل ورود الشرع منتف ـ على ما نطقت به الآية ـ ؛ فلا ملزوم.
وعلى هذا فقد خرج الجواب عن الرابع ، والخامس.
والجواب عن السادس : أنه إذا سلم لزوم عدم الأمن من العذاب للوجوب والحظر ، وسلم انتفاء اللازم قبل ورود الشرع ؛ فيلزمه انتفاء الملزوم ؛ وهو المطلوب.
وعن السابع : أنه ليس المقصود من دلالة الآية غير انتفاء الوجوب والحظر ، وما عداه فإنما يثبته بدليل آخر.
وعن الثامن : ما سبق فى وجوب النظر (٣).
ومما (٤) تمسك (٤) به من جهة النقل أيضا : قوله ـ تعالى ـ : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٥).
ووجه الاحتجاج به أنه نفى احتجاجهم على المؤاخذة بترك الواجبات ، وارتكاب المحرمات ، بعد بعثة الرسل. وأثبت بمفهومه الحجة قبل البعثة ؛ وذلك يدل على نفى
__________________
(١) انظر ل ٢٦ / ب وما بعدها. الإشكال العاشر.
(٢) فى ب (فيما قبله).
(٣) انظر ل ٢٩ / أوما بعدها. الرد على الإشكال العاشر.
(٤) فى ب (وما يتمسك).
(٥) سورة النساء ٤ / ١٦٥.