ثم التزموا على فاسد أصولهم : أن ما ينال العبد فى الحال ، أو المآل من الآلام ، والأوجاع (١) ، والضر (٢) ، والشر ؛ فهو الصالح له ، ولم يتحاشوا جحد الضرورة ، ومكابرة العقل فى أن (٣) خلود أهل النار ، فى النار ؛ هو الصالح لهم ، والأنفع لنفوسهم.
وما فارق به البغداديون البصريين القول بوجوب ابتداء خلق الخلق ، وتهيئة أسباب التكليف (٤) من إكمال العقل ، واستعداد آلات التكليف. والبصريون لا يرون ذلك واجبا ؛ بل ابتداؤه تفضل من الله ـ تعالى ـ.
وأما الأصلح : فهم فيه مختلفون.
فمنهم من أوجبه : ومنهم من نفاه ؛ بناء على أنه ما من صالح ، إلا وفوقه ما هو أصلح منه ، إلى غير النهاية. ومنهم من قال بوجوب رعاية الأصلح : فى الدين دون الدنيا.
وعند ذلك : فلا بد من تحقيق مسالك أهل الحق. ثم التنبيه على شبه أهل الضلال فى معرض الاعتراض ، والانفصال.
وقد احتج الأصحاب : على امتناع وجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله ـ تعالى ـ بمسالك.
المسلك الأول :
أنه لو كان فعل الله ـ تعالى ـ لا يخلو عن حكمة وغرض ؛ فذلك الغرض إما قديم ، أو حادث.
فإن كان قديما : فإما أن يلزم قدم الفعل لقدم غرضه ، أو لا يلزم.
فإن لزم فهو محال. على ما سنبينه من حدوث أفعاله.
وإن لم يلزم قدم الفعل لقدم غرضه ؛ فالغرض غير حاصل من ذلك الفعل ؛ لحصوله دونه. وما لا يكون الغرض حاصلا من فعله ، فلا يكون فى فعله غرض ؛ وهو المطلوب.
__________________
(١) فى ب (الأوجاع والآلام).
(٢) فى ب (والضرر).
(٣) ساقط من ب.
(٤) فى ب (التكاليف).