والعاقل إذا فتش علم أيضا ، أنه لا فائدة للجمادات والعناصر ، والمعدنيات ، وغيرها من أنواع النبات فى وجودها ؛ إذ لا تجد بذلك لذة ، ولا ألما. ولا فرق بين كونها ، ولا كونها (١). ولا غرض فى إماتة الأنبياء ، وإنظار إبليس ، وتكليف نوع الإنسان مع ما فيه من الآلام والمشاق ولزوم الحرج ؛ بل وكل عاقل أيضا راجع نفسه ، وأمعن فى النظر بين الوجود ، ولا وجود ؛ فإنه يود أنه لم يوجد ؛ لما يعترضه من الآفات الدنيوية ، والأخروية.
ولهذا نقل عن المقتدى بهم من الأولين التكره لذلك ، والتبرم به حتى قال : يا ليتنى كنت نسيا منسيا ، وقال آخر : يا ليت أمى لم تلدنى ، وقال آخر : يا ليتنى لم أك شيئا. إلى غير ذلك من الأقوال الدالة على كراهة الوجود. وما فيه الغرض ، والصلاح للعبد ؛ لا يكون مكروها له.
فإن قيل : لو لم يكن فعل البارى ـ تعالى ـ لغرض ومقصود ، مع أن الدليل قد دل على كونه حكيما فى فعله ، عالما بصنعه ؛ لكان عابثا ، والعبث قبيح ، والقبيح لا يصدر من الحكيم المطلق. والخير المحض إذا كان عالما بقبحه ، وعالما باستغنائه عنه (٢) ؛ فإذن لا بد له فى فعله من غرض يقصده ، وحكمة يطلبها من فعله ؛ نفيا للتقصير (٣) ، والعبث عنه.
ولا ننكر امتناع عود الغرض من فعله إليه ؛ ولكن ما المانع من عوده إلى المخلوق؟
وما ذكرتموه فغاية ما فيه عدم العلم بوجود الغرض فيما فرضتموه من الصور ، وليس فيه ما يدل على عدم الغرض فى نفسه ؛ فإنه (٤) لا يلزم من عدم العلم بالشيء. العلم بعدم الشيء ، ولا عدمه فى نفسه.
كيف : وأنه ممكن أن يكون خلود أهل النار فى النار ، هو الأنفع لهم ؛ لعلم البارى ـ تعالى ـ بهم. أنهم (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٥) كما أخبر به الكتاب العزيز ، ويلزم من ذلك زيادة العقاب فى حقهم / مضافا إلى ما كان مستحقا عليهم.
ولا يخفى أن التزام شر قليل ، دفعا للشر الكثير ، أولى من التزام الشر الكثير.
__________________
(١) فى ب (وعدم).
(٢) فى ب (عنها).
(٣) فى ب (للنقص).
(٤) فى ب (إذ).
(٥) سورة الأنعام ٦ / ٢٨.