الرابع : هو أن ما ذكروه يرجع حاصله إلى أن حكمة خلق السموات والأرض وما بينهما ، وإظهار الدلائل ، والآيات ، وإيجاب الطاعات ، وتصريف الخلائق ، بين المأمورات ، والمنهيات ، إلى (١) لذة (١) يجدها بعض المخلوقين ، فى مقابلة طاعته ، وتعبه فى النظر ، والاستدلال ، يزيد على اللذة التى يجدها من ابتداء التفضل ، والإنعام من الله ـ تعالى ـ الّذي لا سبيل إلى الخروج عن مننه مع أن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق له أضعاف (٢) تلك اللذة فى التفضل الابتدائى ، من غير تعب ، ولا نصب ؛ وذلك مما (٣) لا يتفوه به عاقل (٣) ، ولا يستحسنه أحد.
قولهم : إن إماتة الأنبياء أنفع لهم ، أو لغيرهم كما ذكروه ؛ فحاصله يرجع إلى امتناع وقوع خلاف المعلوم وقد سبق جوابه ، وإلا فلو قطع النظر عن تعلق العلم بوجود الإضرار الملازم لبقائهم ، لقد كان قادرا / على دفعه عنهم وعن غيرهم دون إماتتهم ، وتفويت (٤) المنفعة الحاصلة بهدايتهم ، وإرشاد الخلق ، إلى نجاتهم.
وما ذكروه من الغرض فى إنظار إبليس من زيادة الامتحان به ؛ لنيل الثواب الجزيل عليه ؛ لا يصح لوجهين (٥).
الأول : أنه لو كان الغرض منه ذلك ؛ لكان حاصلا من كل وجه حتى لا يكون الرب تعالى ـ عاجزا عن تحصيل غرضه بإنظاره (٦) لإبليس (٦)
ونحن إذا أنصفنا ، وجدنا متبعيه أكثر من مخالفيه ؛ فكان الإضرار بإنظاره (٧) أكثر من النفع الحاصل له (٨) ، وذلك قبيح على أصلهم ؛ فلا يصلح أن يكون غرضا.
الثانى : أنّ المقصود منه إذا كان هو زيادة الثواب الحاصل من الامتحان به فالرب ـ تعالى ـ قادر على تحصيل ذلك (٩) للعباد ، دون هذه الواسطة التى الغالب منها ، الإضرار ؛ لا النفع ، وتمام تقريره ما سبق فى التكاليف.
__________________
(١) فى ب (للذة).
(٢) فى ب (أفعال).
(٣) فى ب (مما يتفوه).
(٤) فى ب (وفوة).
(٥) فى ب (من وجهين).
(٦) فى ب (بانظار ابليس).
(٧) فى ب (بالانظار).
(٨) فى ب (به).
(٩) فى ب (هذا).