«المسألة الخامسة»
«فى تكليف ما لا يطاق»
نقل عن الشيخ أبى الحسن الأشعرى ـ رحمهالله ـ فى بعض الأقوال أنه قال : لا يجوز / التكليف بالمحال : كالجمع بين الضدين ، والأمر بما هو ممنوع منه : كأمر الزمن بالقيام ، ونحوه. والّذي إليه ميله فى أكثر أقواله ، الجواز ؛ وهو لازم على مذهبه ؛ ضرورة اعتقاده : أن الاستطاعة لا تكون ، إلا مع الفعل ، مع تقدم التكليف بالفعل على الفعل ، وأن القدرة الحادثة غير مؤثرة فى إيجاد الفعل ؛ فيكون العبد مكلفا بفعل غيره (١) وإلى هذا مال أكثر أصحابه (٢).
وقد نقل عن بعض البغداديين من المعتزلة (٣) ما يوافق هذا القول : فإنهم قالوا بجواز تكليف العبد بفعل ، فى وقت علم الله أنه يكون ممنوعا منه ، وهو تكليف بما لا يطاق.
وإلى هذا أيضا : ذهب بكر بن أخت عبد الواحد (٤) حيث قال : إن الختم والطبع على الأفئدة مانعان من الإيمان والإخلاص ، مع كونه مأمورا بالإيمان. ومن أصحابنا : من مال إلى القول الأول : وهو امتناع التكليف بالمحال. وهو مذهب البصريين ، وأكثر البغداديين. ثم اختلف القائلون من أصحابنا ؛ فى جواز التكليف بما لا يطاق عقلا فى وقوعه : فمنهم من أثبته ، ومنهم من لم يثبته.
وأجمعت الأمة على جواز التكليف بما علم الله ـ تعالى ـ أنه لا يكون عقلا ، وعلى وقوعه شرعا : كالتكليف بالإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن : كأبي جهل ، وغيره. خلافا لبعض الثنوية.
__________________
(١) لتوضيح رأى الأشعرى فى هذه المسألة :
انظر الإبانة عن أصول الديانة. له ص ٥٠ ـ ٥٣ واللمع فى الرد على أهل الزيغ والبدع ، له أيضا ص ٩٣ ـ ١١٤.
(٢) فى ب (أصحابنا).
(٣) لتوضيح رأى المعتزلة فى هذه المسألة :
انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٥٠٩ ـ ٥١٨ والجزء الحادى عشر من كتاب المغنى له أيضا ؛ حيث خصصه لهذا الموضوع (التكليف). والمحيط بالتكليف. له أيضا ص ١١ ـ ٣٢ ، ٢٢٨ ـ ٢٦٢.
(٤) بكر ابن أخت عبد الواحد : هو بكر بن زياد الباهلى شيخ البكرية ، انظر هامش ل ١٩٢ / ب.