وعند ذلك : فلا بد من التنبيه على مأخذ (١) كل فريق فيما ذهب إليه ، وإبانة الحق من الباطل منه.
وقد احتج الأصحاب (٢) على جواز التكليف بما لا يطاق بأن قالوا : العبد مكلف بالفعل ، قبل وجود الفعل ، وكل تكليف بالفعل قبل وجود الفعل ؛ فهو تكليف بما لا يطاق.
أما المقدمة الأولى : فبالإجماع.
وأما المقدمة الثانية : فبيانها ، هو أن المكلف بالفعل قبل وجود الفعل لا قدرة له على الفعل ، وكل من لا قدرة له على الفعل ؛ فتكليفه بالفعل ، تكليف بما لا يطاق.
أما المقدمة الأولى : فبيانها بما يأتى.
وأما الثانية : فمعلومة بالضرورة.
وإذا ثبت جواز التكليف بالقيام حالة كون الشخص قاعدا مثلا مع استحالته ، جاز تكليف العاجز عن القيام ، بالقيام : كالزمن ، والتكليف بالمستحيل لذاته : كالجمع بين الضدين ، ونحوه ؛ ضرورة اشتراك الكل فى امتناع وقوع الفعل من المكلف حالة التكليف.
/ فإن قيل : لا نسلم أن التكليف بالفعل قبل وجود الفعل ؛ تكليف بما لا يطاق.
قولكم (٣) : أنه لا قدرة على الفعل قبل وجود الفعل. لا نسلم ذلك. وما تذكرونه فى بيانه ؛ فسيأتى الكلام عليه أيضا. ثم هو على خلاف قوله ـ تعالى ـ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٤) أثبت الاستطاعة على الحج قبل وجود (٥) الحج (٥).
__________________
(١) فى ب (مذهب).
(٢) لتوضيح رأى الأصحاب فى هذه المسألة وردهم على خصومهم بالإضافة إلى ما تقدم انظر الإرشاد لإمام الحرمين ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨ والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٨١ ـ ٨٣ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٠٧ ـ ٤١٠.
ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٩٧ ، ١٩٨ وشرح المواقف ٢ / ٤٠٠. ٤٠١ وشرح المقاصد ٢ / ١١٣ ـ ١١٥.
(٣) فى ب (قولهم).
(٤) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.
(٥) فى ب (وجوده).