لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لكان (١) ما لا يطاق : هو تكليف من ليس بعاجز ؛ ولا يخفى أن العكس أولى.
وإن كان الثانى : فقد بطل ما ذكرتموه من الدليل العقلى.
والجواب عن السؤال الأول : هو أن الآية بوضعها لغة تدل على طلب دفع التكليف بما لا يطاق ؛ ولهذا يتبادر فهم ذلك من الآية عند إطلاقها إلى الفهم. / وإن كنا غافلين عن كون التكليف بما لا يطاق ممكنا.
وعند ذلك : فيلزم القول بالإمكان ضرورة حمل اللفظ على ظاهره. فإنه لو لم يكن ممكنا ؛ لما كان للسؤال فائدة ، على ما سبق ، إلا بطريق التأويل ؛ وهو خلاف الأصل.
وعن السؤال الثانى : أنه ترك للظاهر من غير دليل ، وليس فى أول الآية ما يدل على مخالفة الظاهر فى آخرها ؛ إذ لا إحالة فى طلب دفع ما فيه ثقل ومشقة ، وطلب دفع ما لا يطاق فى نفسه ؛ بل ربما كان ذلك مما يوجب حمل آخر الآية على ظاهره تكثيرا لفائدة التأسيس ؛ إذ هى أولى من التأكيد.
وعن الثالث : هو أن الرب ـ تعالى ـ إنما ذكر ذلك فى معرض التقرير لهم على ما قالوه ، والتحريض والندب إلى مثل هذه الدعوات باتفاق المفسرين ؛ فيكون الاحتجاج بذلك لا بقولهم فقط.
وعن الرابع : أنا نقول : كل (٢) تكليف ، فإنه عندنا فى الحقيقة تكليف بما لا يطاق على ما أسلفناه. غير أن العرف قد خصص التكليف بما لا يطاق بتكليف المحال لذاته : كالجمع بين الضدين ، وتكليف العاجز عن القيام بالقيام ، ونحوه دون التكليف بالفعل قبل خلق القدرة عليه ؛ والشارع إنما يخاطب أهل العرف بعرفهم غالبا.
وعند ذلك : فيجب حمل اللفظ على ما لا يطاق عرفا ، لا عقلا ؛ لكن (مثل) (٣) هذا الظاهر إنما ينفع فى المسائل التى يقتنع فيها بالظهور دون القطع ، وما نحن فيه ليس كذلك.
__________________
(١) فى ب (وإن كان).
(٢) فى ب (إن كل).
(٣) فى أ (ما مثل).