مسموما ، وأنه يفضى إلى هلاكه ، والآكل جاهل بكونه مسموما ؛ فإنه لا يعد ذلك إنعاما عليه ؛ بل إهلاكا له ، منقمة منه عليه ، وإن حصل به فى الحالة الراهنة لذة ، وقضاء شهوة ؛ فكذلك فيما نحن فيه. وهذا أمر ظاهر لا مراء فيه.
وربما احتجوا بقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١) ؛ فإنه يدل ظاهرا على أنه قصد بخلق هذه الطيبات (٢) الإنعام على المؤمنين دون الكافرين.
وأما من أثبت النعم الدينية ، والدنيوية : فقد قال :
أما النعم الدينية : فلا يخفى أن الله ـ تعالى ـ أنعم على المؤمنين بخلق العقول المدركة ، ونصب الأدلة على وحدانيته ، وما يليق (به) (٣) وما لا يليق. وبعثه الرسل ، والحث على سلوك طرق (٤) الهداية ، وتجنب مسالك الضلالة ، وتهيئة أسباب النجاة ، والتمكين من ذلك. وأن هذه الأمور من أجل النعم المطلوبة ، والتفضلات المرغوبة ، وأنه قد أنعم بها على الكفار حسب ما أنعم بها على المؤمنين. غير أن الكفار أساءوا إلى أنفسهم ، وأهملوا وجوه مصالحهم ، ورفع مضارهم ؛ بتصامهم عن الإصغاء إلى سماع إنذار الرسل ، وتعاميهم عن النظر فى الأدلة ، والآيات الدالة على ما ينجيهم من الهلاك ، ويوصلهم إلى النعيم المقيم ؛ وذلك لا يخرج ما أنعم الله به عليهم من الأمور المذكورة عن أن يكون نعمة ؛ وذلك كما لو قدم إنسان طعاما شهيا نافعا غير مضر بين يدى مضطر فى مخمصة ، ومكنه منه ، وقال كل منه ؛ ففيه نجاتك من الهلكة ؛ فإنه يعد نعمة ، وإن امتنع المضطر من الأكل حتى هلك بسوء صنعه.
وأما النعم الدنيوية : فلا يخفى أن ما الكفار فيه من تحصيل / اللذات العاجلة من المطعومات ، والمشروبات ، والمنكوحات ، وغير ذلك من أنواع المرادات ؛ مخلوقة لله ـ تعالى ـ وقد مكنهم منها ، وأزاح العلل المانعة عنها من غير سابقة إيجاب عليه ، وأن
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ٣٢.
(٢) فى ب (الكلمات).
(٣) ساقط من أ.
(٤) فى ب (طريق).