وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١).
وهذه النصوص ظاهرة فى الهداية والإضلال ، بالاعتبار المذكور ؛ إذ هو المتبادر إلى الفهم منها (٢).
وأما الإطلاق العرفى :
فهو أنه لو قال القائل : فلان هداه الله ؛ فإنه لا يتبادر إلى الفهم منه عند إطلاقه غير خلق الهدى ، وكذلك إذا قال : أضله الله. لا يتبادر. منه إلى الفهم غير خلق الضلال.
فإن قيل : لا نسلم أن الهداية والإضلال ، حقيقة فيما ذكرتموه ، والمراد بالنصوص / إنما هو الهداية بمعنى الإرشاد إلى طرق (٣) الجنان. ومنه قوله ـ تعالى ـ فى حق الشهداء فى الجهاد : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ) (٤).
قال أهل التفسير : أى إلى طرق الجنان ، وهو متعذر الحمل (٥) على خلق الإيمان بعد الموت.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) (٦) : أى يدلهم على (٧) الجنان بسبب إيمانهم ، والإضلال فى مقابلته ؛ وهو تعمية الطرق عليهم.
سلمنا تعذر الحمل على هذا المعنى ؛ ولكن أمكن حمل الهداية على الدعاء ، وشرع سبيل الرشد ، والزجر عن طريق الغى.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٨).
وليس المراد منه خلق الهدى ؛ فإن من خلق له الهدى لا يستحب العمى عليه ؛ بل المراد بقوله : فهديناهم ؛ أى دعوناهم ، وشرعنا لهم سبيل الرشد ، والإضلال فى مقابلته.
سلمنا تعذر الحمل عليه ؛ ولكن ما المانع من حمل لفظ الهداية على تسمية الرب ـ تعالى ـ للمؤمن مقتديا ، والإضلال فى مقابلته؟
__________________
(١) سورة القصص ٢٨ / ٥٦.
(٢) فى ب (هاهنا).
(٣) فى ب (طريق).
(٤) سورة محمد ٤٧ / ٤ ، ٥.
(٥) فى ب (لا يحمل).
(٦) سورة يونس ١٠ / ٩.
(٧) فى ب (الى).
(٨) سورة فصلت ٤١ / ١٧.