المسألة التاسعة
«فى معنى اللطف ، وحكمه»
واللطف فى عرف (١) المتكلمين : عبارة عن كل ما يقع صلاح المكلف عنده بالطاعة والإيمان ، دون فساده بالكفر والعصيان (٢). وقد اختلفوا فيما وراء ذلك.
فقالت المعتزلة (٣) : إنه لا يتخصص بشيء دون شيء ؛ بل كل ما علم الله ـ تعالى ـ أن صلاح العبد فيه ؛ فهو لطف به.
ثم قد يكون ذلك من فعل الله ـ تعالى ـ كخلق القدرة للعبد ، وإكمال العقل ، ونصب الأدلة ، وتهيئة آلات فعل الصلاح ، وترك الفساد.
وقد يكون من أفعال العبد نفسه ، كنظره ، وفكره فيما يجب عليه ، وتوصله إلى تحصيله.
وقد يكون من فعل غيره من المكلفين بالإعانة له فى تحصيل مصالحه ، ودفع مفاسده ، والتأسى به فى أفعاله الصالحة ، وإيمانه ، وطاعته ، والانزجار عن أفعاله الفاسدة اعتبارا به. حتى إنهم قالوا : كفر الكافر إذا كان فيه صلاح الغير بطريق الاعتبار ، والانزجار ؛ كان كفره لطفا بذلك الغير ، وإن كان فسادا بالنظر إلى نفسه.
وقد لا يكون فعلا ؛ بل ترك فعل ؛ وذلك كما لو علم الله ـ تعالى ـ أنه لو بسط الرزق لعباده ، أو لبعضهم لبغوا فى الأرض. ولو ترك بسطه لصلحوا ؛ فيكون ترك بسط الرزق لطفا بهم. وإلى هذا مال القاضى أبو بكر من أصحابنا.
ثم زعمت المعتزلة : أنه يجب على الله ـ تعالى ـ أقصى ممكن من اللطف ، والتزموا على هذا الأصل ، أنه ليس فى مقدور الله ـ تعالى ـ لطف لو فعله لآمنت الكفرة ، وإلا كان تاركا للواجب.
__________________
(١) فى ب (عبارة).
(٢) فى ب (والإحسان).
(٣) انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٥١٨ ـ ٥٢٥.