فإن كان ممكنا : فهو واجب على الله ـ تعالى ـ ولا بد من وقوعه ، ولا معنى لطلب ما لا بد منه ، ولا للمتضرع (١) / فى وجوده ، كما أنه لا معنى لقول القائل اللهم لا تظلمنى ، حيث (٢) لم يكن الظلم من الله ـ تعالى ـ متصورا (٢).
وإن لم يكن ممكنا : فلا معنى لطلب ما لا يمكن.
وأما العصمة :
فهى فى اللغة : مأخوذة من المنع ـ ومنه قوله ـ تعالى ـ إخبارا عن ابن نوح عليهالسلام : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) (٣) : أى يمنعنى. وقوله : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أى لا مانع. وقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٤) : أى يمنعهم عنك. وقوله ـ تعالى ـ : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) (٥) : أى امتنعوا بالالتجاء إلى فضله عمن سواه. ويقال لقلل (٦) الجبال (٦) عواصم ؛ لامتناع من يلجأ إليها بها عن غيره.
وأما الفرق الأصولى : فمذهب الشيخ أبى الحسن ، والأئمة من أصحابه : أن مدلول العصمة ما هو مدلول التوفيق على ما سبق من أصله. وهو موافق للوضع اللغوى أيضا ؛ فإن خلق القدرة على الطاعة ، والإيمان ، يلازمه الطاعة والإيمان. ويلزم من الطاعة امتناع المعصية ، ومن الإيمان امتناع الكفران ؛ فخلق القدرة على الطاعة ، والإيمان تكون عصمة عن المعصية ، والكفران.
وعلى هذا فلا يمتنع إطلاق اسم العصمة على خلق الطاعة والإيمان نفسهما ؛ لامتناع وقوع المعصية ، والكفر معهما.
فإن قيل : إذا كان خلق القدرة على الإيمان ، وخلق الإيمان عصمة مانعة من الكفر ؛ فخلق القدرة على الكفر ، أو خلق الكفر ، يكون أيضا منعا من الإيمان. وليس خلق القدرة على الكفر مانعا من الإيمان.
__________________
(١) فى ب (ولا يتضرع).
(٢) فى ب (حيث أنه لم يكن الظلم متصورا من الله تعالى).
(٣) سورة هود ١١ / ٤٣.
(٤) سورة المائدة ٥ / ٦٧.
(٥) سورة آل عمران ٣ / ١٠٣.
(٦) فى ب (لقلل) وقلل الجبال معناها قمم الجبال ، و (قلة الجبل) أعلاه والجمع (قلل) المصباح المنير. باب القاف فصل اللام وما يثلثهما).