«المسألة الثانية عشرة»
«فى معنى الرزق ، واختلاف الناس فيه»
ولا خلاف بين الأمة أن الرزق يستدعى رازقا ، ومرزوقا.
وإنما الخلاف بينهم فى معنى الرزق ، ومن هو الرازق.
فأما الرزق :
فقد أجمعت المعتزلة (١) : على أنه لا يكون حراما.
ثم اختلفوا فى حده :
فقال الجبائى : إن الرزق هو الملك. وسواء كان أنتفع به ، أم لا؟ ويبطل بالحوادث بجملتها ؛ فإنها مملوكة لله ـ تعالى ـ وليست رزقا له. ويبطل بالبهائم : فإنها مرزوقة ؛ ولها رزق بالإجماع. وبدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٢) ومع ذلك لا ملك لها بالإجماع.
فإن فسر الملك بالقدرة الحسية ، على ما هو الإشعار اللغوى ؛ فيلزمه أن يكون الحرام رزقا للقادر عليه حسا ؛ وهو خلاف إجماع المعتزلة.
وقال أبو هاشم : الرزق كل ملك يتصور الانتفاع به من مالكه ، وهو وإن خرج عنه النقض بملك الله ـ تعالى ـ إلا أنه منتقض بأرزاق البهائم على ما تقرر.
وقال أبو عبد الله البصرى (٣) : الرزق كل ما للحى الانتفاع به ، من غير تعد فيه ، ولم يلتفت فى التحديد إلى الملك ؛ لإدراج أرزاق البهائم فيه ؛ وهو باطل أيضا ، بما تأكله السباع من المواشى ؛ فإنه يجوز لمالكها منع السباع من أكلها شرعا بالإجماع ؛ بل
__________________
(١) لتوضيح رأى المعتزلة فى هذه المسألة : انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٨٤ ـ ٧٨٨.
(٢) سورة هود ١١ / ٦.
(٣) أبو عبد الله البصرى : ت ٣٦٩.
الحسين بن على البصرى ، كان شيخا لقاضى القضاة عبد الجبار صاحب المغنى. وهو من أهل البصرة ـ كان على مذهب أبى هاشم ، وإليه انتهت رئاسة أصحابه. وكان تلميذا لأبى القاسم بن سهلويه الّذي تتلمذ على أبى هاشم توفى سنة ٣٦٩ ه. (المنية والأمل ٦٢).