وإن سلمنا أن للعموم صيغة ؛ ولكن لا نسلم وجودها فى الآيتين المذكورتين ؛ إذ المذكور فيهما حرف من ؛ وهى للتبعيض لا للعموم.
وإن سلمنا صيغة العموم فيهما ؛ ولكن لا نسلم أن ما اغتصب الغاصب ؛ يكون رزقا له ، قبل الانتفاع به حتى يصح منه الإنفاق ؛ وأنه يصير رزقا له بالانتفاع.
وعند ذلك : يتعذر الإنفاق منه ؛ فلا يكون الأمر بالانتفاع ، والتحريض على الإنفاق من الرزق تناولا له.
وإن سلمنا إمكان تناول الآيتين له ؛ ولكنه مخصوص ، بأرزاق البهائم والأطفال ، والعام بعد التخصيص لا يبقى حجة لتردده بين أقل الجمع ، وما عدا محل التخصيص.
وبتقدير أن يكون حجة ؛ ففى أقل الجمع ؛ لتيقنه. وبتقدير أن يكون حجة فيما عدا محل التخصيص ؛ فيجب تخصيصه ، لما ذكرناه من النهى عن تفويت ملك المالك المعصوم عليه.
وأما إطلاق الرزق على الملك الّذي لم ينتفع به ؛ فليس حقيقة لما أسلفناه ، وإنما هو بطريق المجاز من حيث أنه بحال ينتفع به فى الغالب ، ولا منافاة بينه وبين ما ذكرناه من الإطلاق.
كيف : وأنه يلزم مما ذكروه أن يكون من اغتذى بالحرام من أول عمره إلى منتهاه كأولاد القصاب ، أن يكون قد عاش ومات ، ولم يرزقه الله رزقا ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين ، قبل ظهور المعتزلة.
وأما الرازق :
فقد اتفقت المعتزلة : على أن الحرام لا يكون رزقا من الله ـ تعالى ـ وما كان حلالا مباحا ، فما أتى العبد منه بنصب ، وتعب ؛ فالعبد هو الرازق لنفسه والله ـ تعالى ـ ليس برازق له ذلك الرزق. وما أتاه منه بغير فعله ؛ فهو من الله ، والرازق له ذلك الرزق هو الله ـ تعالى.
ثم منه ما هو واجب على الله ـ تعالى ـ : وهو ما فيه صلاح المكلفين.
ومنه ما يجب المنع عنه : وهو ما فيه فساد المكلفين.