ومنه ما يجوز الرزق به ، والمنع منه : وهو ما استوى فيه صلاح المكلف وفساده.
وأما أهل الحق من الأشاعرة وغيرهم : فقد أجمعوا أنه لا رازق إلا الله ؛ إذ الرزق مخلوق ، ولا خالق غير الله ـ كما يأتى تقريره فى الأصل الثانى من هذا النوع (١) ـ وأنه لا يجب عليه أن يرزق أحدا ؛ لتعاليه وتقديسه ، عن أن يجب عليه شيء على ما سبق تقريره (٢) ؛ بل إن رزق فبفضله ، وإن منع فبعد له ، والعبد ليس له غير الكسب ـ على ما يأتى تحقيقه فى خلق الأعمال (٣) ، ثم ما يكسبه العبد من الرزق : إن كان منهيا عنه ؛ فمحرم ، وإلا فمباح. وليس اكتساب الرزق وطلبه من المحرمات ، إذا تجنب فيه ارتكاب المنهيات ، خلافا لشذوذ من العوام ـ لا يؤبه بهم ـ / فى ظنهم أن اكتساب الرزق وطلبه من المحرمات.
ويدل على إباحة ذلك نصوص الكتاب ، وإجماع الأمة.
أما نصوص الكتاب :
فقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٤). وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٥). وقوله ـ تعالى ـ (الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (٦) وقوله ـ تعالى ـ (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٧). وقوله ـ تعالى ـ (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٨) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز طلب الرزق ، واكتسابه.
وأما الإجماع : فهو أن الأمة من الصحابة ، ومن بعدهم مجمعون على جواز اكتساب الرزق ، وأنه ما زال الناس يكتسبون ، ويجتهدون فى طلب الأرزاق برا وبحرا ، فى زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، والصحابة ، ومن بعدهم ، ولم يزل ذلك مألوفا معروفا من النبيين ، والأولياء ، والصالحين ، من غير نكير.
__________________
(١) انظر ل ٢١١ / ب وما بعدها.
(٢) انظر ل ١٨٦ / أوما بعدها.
(٣) انظر ل ٢٥٧ / ب وما بعدها.
(٤) سورة الجمعة ٦٢ / ١٠.
(٥) سورة المائدة ٥ / ٢.
(٦) سورة الجاثية ٤٥ / ١٢.
(٧) سورة المزمل ٧٣ / ٢٠.
(٨) سورة النساء ٤ / ٢٩.