المسألة الثالثة عشرة»
«فى السعر ، والغلاء ، والرخص ، وأنه من الله ـ تعالى»
أما السّعر : فهو عبارة عن تقدير أثمان الأشياء. وارتفاعه غلاء ، وانحطاطه رخص. وهل هو من الله ـ تعالى ـ أو من العبيد؟
قالت المعتزلة (١) : إنه مستند إلى أفعال العباد (٢). بتواضعهم على تقدير / أثمان الأشياء ، وتراضيهم بذلك فى كل وقت على حسبه ، وأن ارتفاع السعر ، وانحطاطه ؛ غير خارج عن أفعالهم.
ولهذا يصح أن يقال لمن حاصر (٣) بلدة ، وضيق على أهلها مدة ، ومنعهم من الامتيار بحيث قلت عليهم الأشياء ، وتوفرت رغباتهم فيها حتى ارتفعت الأسعار : إنه أوجب الغلاء ، ورفع السعر ، وأنه فى وقت الغلاء ، وارتفاع الأسعار ، إذا فتح أهراءه ، وأفاض ما فيها على الناس ، ومكنهم من الامتيار منها (٤) بحيث انحط السعر ؛ فإنه (٥) يقال : أوجب بفعله ذلك الرخص ، وانحطاط السعر ، حتى إنه يمدح على ذلك ، ويذم على الأول. ولو (٦) لم يكن (٦) من فعله ؛ لما كان كذلك.
ومذهب أهل الحق (٧) : أن ذلك كله من الله ـ تعالى ـ ومستند إلى فعله ، وتقديره ، وقضائه ، وقدره ؛ لأنه أمر حادث ، وكل حادث ، فلا يكون إلا بإحداث الله ـ تعالى ـ وخلقه ، وإرادته على ما سيأتى بعد (٨). غير أن ذلك قد يكون بأسباب سماوية ظاهرة غير مكتسبة للعباد : كانقطاع الغيث ، وجدب الأرض ، وقلة الزروع وهلاكها ؛ بحيث تتوفر الرغبات على شر المطعوم ؛ لقلته ، وشدة الاحتياج إليه ؛ فيرتفع سعره ، على حسب قلته ، وتوفر الدواعى عليه ، والرخص بأسباب أخرى مقابلة لهذه الأسباب.
__________________
(١) انظر الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٨٨ ، ٧٨٩.
(٢) فى ب (العبيد).
(٣) فى ب (حصر).
(٤) فى ب (عنها).
(٥) ساقط من ب.
(٦) فى ب (ولو أنه).
(٧) انظر الإرشاد لإمام الحرمين ص ٣٦٧ وشرح المواقف ٢ / ٣٩٠ وشرح المقاصد ٢ / ١٢٠.
(٨) انظر ل ٢١١ / ب وما بعدها.