فإن كان الأول : فلا نسلم أنه لا بد وأن يكون للصفة ضد بذلك الاعتبار ، والاستدلال على موقع المنع عسير جدا.
وإن كان الثانى : فلا نسلم أنه يلزم أن يكون ضد الحادث حادثا وإلا كان عدم العالم السابق على وجوده حادثا. ولو كان عدمه حادثا ، كان وجوده سابقا على عدمه ؛ وهو محال.
ثم وإن سلمنا أنه لا بد وأن يكون ضد الحادث معنى وجوديا ؛ ولكن لا نسلم امتناع خلو المحل عن الصفة وضدها بهذا الاعتبار. وحيث قررنا فى مسألة الكلام والإدراكات / أن القابل لصفة لا يخلو عنها ، أو عن ضدها. إنما كان بالمعنى الأعمّ ، لا بالمعنى الأخص ، فلا مناقضة (١).
الحجة (٢) الثانية :
أنه لو قامت الحوادث بذاته ؛ لكان لها سبب. والسبب إما الذات ، أو خارج عنها.
فإن كان هو الذات : وجب دوامها بدوام الذات ، وخرجت عن أن تكون حادثة.
وإن كان خارجا عن الذات : فإما أن يكون معلولا للإله ـ تعالى ـ أو لا يكون معلولا له.
فإن كان الأول : لزم الدور.
وإن كان الثانى : فذلك الخارج يكون واجب الوجود لذاته ، ومفيدا للإله تعالى ـ صفاته ؛ فكان أولى أن يكون هو الإله.
وهذه المحالات إنما لزمت من قيام الحوادث بذات الرب ـ تعالى ـ فكان محالا.
ولقائل أن يقول :
وإن افتقرت الصفات الحادثة إلى سبب ؛ فالسبب إنما هو القدرة القديمة ، والمشيئة الأزلية القائمة بذات الرب تعالى ـ كما هو مذهب الكرامية على ما أوضحناه. فليس
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية من كلام الآمدي فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٢٧ ـ ٣١) ثم علق عليه بقوله «هذا كلام حسن جيد ... فإن هذه الطريقة مما كان يحتج بها السلف والأئمة فى إثبات صفات الكمال : كالكلام والسمع ، والبصر».
(٢) من أول الحجة الثانية نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٤٠ ـ ٤٣).