المسلك الثانى :
أنه قد ثبت فى مسألة إثبات واجب الوجود انتهاء جميع الممكنات فى الوجود إليه ، ضرورة قطع التسلسل ، والدور الممتنع ، وبينا أن إيجاده لما يوجده من الممكنات ، لا يكون (١) إلا بالقدرة والاختيار ؛ فصحة كون ذلك الحادث مقدورا لله ـ تعالى ـ دون الواجب والممتنع ، حكم لا بد له من علة ، وعلته إنما هى الإمكان ، والإمكان مشترك بين جميع الممكنات ، ويلزم من الاشتراك فى العلة ، الاشتراك فى المعلول ؛ وهو صحة المقدورية ، ويلزم من كون جميع الممكنات مقدورة للرب ـ تعالى ـ امتناع إسناد شيء من الحوادث إلي غير الله ـ تعالى ـ وإلا لزم عند اجتماع المؤثرين ، ما ألزمناه (٢) من المحال فى مسألة التوحيد (٣) ؛ وهو محال.
ولقائل أن يقول :
وإن سلمنا صحة المقدورية للرب ـ تعالى ـ بالنسبة إلى بعض الممكنات ، غير أنه لا معنى لصحة المقدورية ، غير إمكان المقدورية ، والإمكان عدم ؛ والعدم لا يكون معللا على ما سبق فى مسألة الرؤية ، ولا جواب له إلا بالعود إلى تعليل المقدورية نفسها.
وإن سلمنا إمكان التعليل بصحة المقدورية ؛ ولكن لا نسلم أن الإمكان صالح للتعليل ؛ لكونه عدما كما تقدم بيانه فى الرؤية.
وإن سلمنا إمكان التعليل / بالإمكان ؛ ولكن إنما يلزم التعليل به أن لو لم يوجد غيره.
ولا نسلم أنه لا متحقق سواه ، والبحث والسبر فلا يدل على عدم ما سواه يقينا على ما أسلفناه فى تعريف أقسام الدليل (٤).
وإن سلمنا دلالته على عدم ما سواه ؛ ولكنه معارض بما يدل على وجود غيره ؛ وذلك لأن ما وقع الاتفاق على كونه مقدورا ـ للرب ـ تعالى ـ وإن كان مشاركا لباقى الحوادث فى الإمكان ؛ فمفارق لها بخصوص ذاته وتعينه.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) فى ب (ما لزمنا).
(٣) انظر ل ١٦٧ / ب وما بعدها.
(٤) انظر ل ٣٩ / ب.