وإن كان ذلك بطريق الإلزام للخصم ؛ فلعله لا يقول به. وإن كان قائلا به ؛ فليس القول بتخطئته فى القول بحلول الحوادث بذات الرب ـ تعالى ـ ضرورة تصويبه فى رعاية الحكمة أولى من العكس (١).
الحجة (٢) الثالثة :
أنه يقال : لو كان قابلا لحلول الحوادث بذاته ؛ لكان قابلا لها فى الأزل. وإلا كانت القابلية عارضة لذاته ، واستدعت قابلية أخرى ؛ وهو تسلسل ممتنع. وكون الشيء قابلا للشىء فرع إمكان وجود المقبول ؛ إذ القابلية نسبة بين القابل والمقبول ؛ فيستدعى تحقق كل واحد منهما ، ويلزم من ذلك إمكان حدوث الحوادث فى الأزل ، وحدوث الحوادث فى الأزل ؛ ممتنع ؛ للتناقض بين كون الشيء أزليا ، وبين كونه حادثا.
ولقائل أن يقول :
لا نسلم أنه لو كان قابلا لحلول الحوادث بذاته ؛ لكان قابلا لها فى الأزل ؛ فإنه لا يلزم من القبول للحادث فيما لا يزال ـ مع إمكانه ـ القبول له أزلا مع كونه غير ممكن أزلا.
والقول بأنه يلزم منه التسلسل ؛ يلزم عليه الإيجاد بالقدرة للمقدور ، وكون الرب خالقا للحوادث ؛ فإنه نسبة متجددة بعد أن لم تكن ، فما هو الجواب به هاهنا يكون الجواب ثم.
وإن سلمنا أنه يلزم من القبول فيما لا يزال ، القبول أزلا ؛ فلا نسلم أن ذلك يوجب إمكان وجود المقبول أزلا. ولهذا على أصلنا البارى ـ تعالى ـ موصوف فى الأزل بكونه قادرا على خلق العالم ؛ ولا يلزم منه إمكان وجود العالم أزلا (٣).
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٤٠ ـ ٤٣) ثم علق على هذه الحجة بقوله : «هذه الحجة مادتها من الفلاسفة الدهرية : كابن سينا وأمثاله. الخ» ص ٤٣ وما بعدها.
(٢) نقل ابن تيمية ما ذكره الآمدي «الحجة الثالثة» : (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٦٢ ـ ٦٣).
(٣) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٦٢ ، ٦٣)
ثم علق عليه وناقشه فى ص ٦٣ وما بعدها.