وأما الشبهة الثانية : فلقائل أن يقول : لا نسلم أن قيام الصفات بالجوهر ؛ لكونه متحيزا ؛ بل أمكن أن يكون ذلك بمعنى مشترك بينه وبين البارى (١) ـ تعالى ـ وإن كان ذلك لكونه متحيزا ؛ فلا يلزم من انتفاء الدليل فى حق الله ـ تعالى ـ انتفاء المدلول ؛ كما تقدم تحقيقه.
كيف : وقد أمكن أن يكون ذلك لمعنى اختص به (٢) البارى (٢) ـ تعالى ـ ولا يمتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين فى صورتين (٣).
والمعتمد (٤) فى المسألة حجتان : تقريرية ، وإلزامية :
أما التقريرية : فهو أن يقال :
لو جاز قيام الصفات الحادثة بذات الرب ـ تعالى ـ فإما أن توجب نقصا فى ذاته ، أو فى صفة من صفاته ، أو لا توجب شيئا من ذلك.
فإن كان الأول : فهو محال باتفاق العقلاء ، وأهل الملل.
وإن كان الثانى : فإما أن تكون فى نفسها صفة كمال ، أو لا صفة كمال. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ ناقصا قبل اتصافه بها ؛ وهو محال أيضا بالاتفاق.
ولا جائز أن يقال بالثانى لوجهين :
الأول : اتفاق الأمة ، وأهل الملل قبل الكرامية على امتناع اتصاف / الرب ـ تعالى ـ بغير صفات الكمال ، ونعوت الجلال.
الثانى : هو أن وجود كل شيء أشرف من عدمه ؛ فوجود الصفة فى نفسها ، أشرف من عدمها ، فإذا كان اتصاف الرب ـ تعالى ـ بها لا يوجب نقصا فى ذاته ، ولا فى صفة
__________________
(١) فى ب (الله).
(٢) فى ب (بالبارى).
(٣) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية عن الآمدي فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٧٨ ، ٧٩) ثم علق عليه وناقشه فقال : «قلت : أما الحجة الأولى ، فيقال : قيام الصفة بالموصوف معروف يتصور بالبديهية ... الخ من ص ٧٩ إلى ص ٨٢.
(٤) من أول قول الآمدي : «والمعتمد فى المسألة : نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٨٢ ـ ٨٤) إلى قول الآمدي : «وهو محال كما سبق». ثم علق عليه وناقشه فى ص ٨٤ وما بعدها.