فإذا قيل لهم : فلم لا تنكسف بحيلولة مخروط ظل الأرض بينها وبين الشمس؟
قالوا : لأن الظل ينمحق دون الوصول إليها.
فإذا قيل : ولم (١) قلتم بانمحاق مخروط الظل دونها؟
قالوا : لأنها لا تنكسف ؛ وهو دور ممتنع. ولا يتحقق لهم فيه جواب ؛ بل ولو قيل لهم : إن الكواكب الثابتة فى فلك البروج ، وكذلك زحل ، والمشترى ، والمريخ ؛ نيرة بأنفسها ؛ فلذلك لم تنكسف بمخروط الظل فى وصوله إليها ؛ لم يكن لهم جواب.
وأما كسوف الشمس :
فزعموا : أنه ستر القمر للشمس عن أبصارنا عند ما إذا اتفق جريان القمر فى الاجتماع على سمت جريان الشمس ، والّذي تراه مظلما حال اللون ، إنما هو القمر. وإلا فالشمس على نورها ، ومقدار الكسوف على حسب اختلاف مقابلة القمر للشمس وستره لها. ولهذا لا (٢) يعهد كسوف الشمس (٢) فى غير أيام الاجتماع ، والمقاربة.
ولو قيل لهم : كما أن القمر قد يقارن الشمس المقارنة السمتية ؛ فكذلك الزهرة ، وعطارد. فما بالهما لا يحجبان الشمس عن أبصارنا فى وقت المقارنة والاجتماع ، كما فى القمر ؛ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا.
وأيضا : فإنهم حكموا بانتخاس الشمس عند كسوفها ، مع بقائها على حالها ، فإن كان الانتخاس إنما هو بانقطاع نورها عن عالمنا هذا ، وبالحاجز بينها وبين أبصارنا ؛ فيجب أن تكون منتخسة مهما غربت ؛ لتحقق هذا المعنى فيها ؛ وليس كذلك عندهم.
وهذا أيضا : لا جواب لهم عنه ، ويجب الاكتفاء بما نبهنا عليه من فساد أحكامهم ، وبطلان رسومهم ، وإلا فخبطهم كثير ، وهذيانهم طويل ، لا يليق الاستقصاء فيه بمثل هذا الكتاب.
__________________
(١) فى ب (فلم).
(٢) فى ب (لا كسوف للشمس).