من صفاته على ما وقع به الفرض ، فاتصافه إذن إنما هو فى نفسه كمال لا عدم كمال. ولو كان كذلك ؛ لكان ناقصا قبل اتصافه بها ؛ وهو محال كما سبق (١).
الحجة الثانية (٢) : من جهة المناقضة للخصم ، والإلزام ، وذلك من ثمانية أوجه :
الأول : أن من مذهب الكرامية : أنهم لا يجوزون إطلاق اسم متجدد على الله ـ تعالى ـ فيما لا يزال كما بيناه من قبل ، فلو قامت بذاته صفات حادثة ؛ لاتصف بها ، وتعدى إليه حكمها : كالعلم ، فإنه إذا قام بمحل وجب اتصافه بكونه عالما ، وكذا فى سائر الصفات القائمة بمحالها. وسواء كان المحل قديما ، أو حادثا. وسواء كانت الصفة قديمة ، أو حادثة ؛ إذ لا فرق بين القديم ، والحادث من حيث أنه محل قامت به صفة ؛ إلا فيما يرجع إلى أمر خارج ؛ فلا أثر له.
وإذا ثبت ذلك ، فيلزم أن يقال : إنه قائل بقول ، ومريد بإرادة ، ويلزم من ذلك تجدد اسم لم يكن له قبل قيام الصفة الحادثة به ؛ وهو مناقض لمذهبهم (٣).
الثانى (٤) : هو أن الكرامية موافقون على أن القول ، والإرادة. لا يقومان إلا بحى : كالسمع ، والبصر. وقد وافقوا على أن الحى إذا خلا عن السمع والبصر ، لا يخلو عن ضدهما.
وعند ذلك : فإما أن يقولوا بأن الله ـ تعالى ـ يخلو عن القول الحادث ، أو الإرادة الحادثة. وعن ضدهما ؛ فلا يجدون إلى الفرق بينهما ، وبين السمع والبصر ، سبيلا.
وإن قالوا بأنه لا يخلو الرب ـ تعالى ـ عن القول ، أو الإرادة ، أو عن ضدهما. فلا يخلو ذلك الضد : إما أن يكون قديما ، أو حادثا.
فإن كان الأول : فيلزم من ذلك عدم الموجود القديم ، ضرورة حدوث ضده ؛ وهو محال بالاتفاق ، وبالدليل على ما يأتى.
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٨٢ ـ ٨٤).
(٢) من أول الحجة الثانية نقله ابن تيمية عن الآمدي فى كتابه ٤ / ٩٦ ، ٩٧ ثم علق عليه وناقشه فى ص ٩٧ وما بعدها.
(٣) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى ص ٩٦ ، ٩٧.
(٤) نقل ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٩٨ ـ ٩٩) من أول «الثانى : أن الكرامية موافقون ... إلى قوله فهو حادث ضرورة» ثم علق عليه وناقشه فى ص ٩٩ وما بعدها.