ومن مذهب هؤلاء : الإيمان بالله ، والكفر بالشيطان ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، واجتناب الخبائث.
ولكل فريق من فرق الثنوية ، والمجوس : تفاريع فى مذاهبهم ، واختلاف كثير ، وهذيان طويل ، خارج عن خصوص مقصدنا فى الرد عليهم هاهنا. آثرنا الإعراض عن ذكره ؛ إذ هو أليق بالتواريخ ، والتنبيه على فساده لتناهيه فى الخلل ، وسهولة معرفته عند الاطلاع على أقوالهم لمن لديه أدنى معرفة وتحصيل.
والطريق فى الرد على الثنوية (١) أن يقال :
قولكم : إن النور ، والظلمة جسمان ؛ ليس كذلك ؛ بل هما عارضان للأجسام بدليل أمور خمسة :
الأول : أن الجسم قد يوصف بالنور ، والظلمة فيقال : جسم منير ، وجسم مظلم ، والصفة غير الموصوف.
الثانى : أن الأجسام غير متضادة ، والنور ، والظلمة ؛ متضادان.
الثالث : أن الأجسام مستوية فى الحد ، والحقيقة ، ولا كذلك النور ، والظلمة.
الرابع : أن النور ، والظلمة يتعاقبان على الجسم الواحد : وبعد كل واحد منهما الآخر ، مع بقاء الجسم بحاله.
الخامس : هو أنه لا معنى للنور غير (٢) الشعاع. والشعاع : ليس بجسم على ما تقدم فى الإدراكات. والظلمة : فلا (٣) معنى لها إلا أنها عدم النور فيما من شأنه أن يكون مستنيرا ؛ على ما تقدم فى مسألة الرؤية.
وإن سلمنا أنهما جسمان : ولكن لا نسلم قدمهما ؛ وذلك لأن كل جسم مركب ، فيكون مفتقرا إلى أجزائه ، والمفتقر إلى غيره ؛ لا يكون واجبا لذاته ؛ بل ممكنا كما سلف بيانه ، وسنبين (أيضا) (٤) حدوث كل موجود ممكن فيما بعد (٥).
__________________
(١) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ٥ / ٢٢ ـ ٧٠.
(٢) فى ب (إلا).
(٣) فى ب (لا).
(٤) ساقط من أ.
(٥) انظر الجزء الثانى ص ٣٠٢ وما بعدها.