فإن كان الأول : فيلزم من فرض وجود العجز فى الحالة الثانية قطع تعلق القدرة بالمقدور فى الحالة الثالثة ؛ وفيه قلب جنس القدرة حيث قيل بانقطاع تعلقها بعد التعلق ، ولو جاز مثل ذلك بالنسبة إلى الحالة الثالثة ؛ لجاز مثله فى الحالة الثانية ، وأنتم غير قائلين به.
وإن كان الثانى : فيلزم منه أن ما اقتضته القدرة ؛ فالعجز غير مانع منه ، وما منعه العجز فغير ما اقتضته القدرة ، ويلزم / من ذلك ارتفاع التضاد بين العجز والقدرة ؛ وهو ممتنع.
فيقال : المختار من القسمين : إنما هو الثانى منهما ؛ ولكن غايته أن العجز المفروض فى الحالة الثانية ، غير مضاد للقدرة الموجودة فى الحالة الأولى ، ولا يلزم منه ارتفاع التضاد بين القدرة ، والعجز مطلقا ؛ فإن العجز المضاد للقدرة ما يقدر وجوده وقت وجود القدرة ، لا ما يقدر وجوده قبلها ولا بعدها ؛ وهما مما لا يمنعان.
المسلك الثانى :
هو أن القول بتقدم القدرة على المقدور مما يمنع من تفرقة العاقل بين كونه قادرا ، وبين كونه عاجزا ؛ واللازم ممتنع ؛ فالملزوم مثله.
وبيان الملازمة : هو أنه إذا تقدمت القدرة الحادثة على المقدور ؛ فالمقدور بها ممتنع فى حال وجودها. ولو قدر وجود العجز فى الوقت المتقدم على وقت وجود القدرة ؛ فالفعل يمتنع به فى وقت وجود القدرة ؛ وهى الحالة الثانية منه ؛ فإذن قد ساوى وجود القدرة للعجز فى حكمه ، وهو امتناع الفعل ، ويلزم من ذلك ، امتناع التفرقة بين الفعل مع القدرة ، والفعل مع العجز ؛ وهو محال.
ولهذا : فإن كل عاقل يجد من نفسه التفرقة بين حركته مختارا ، ومرتعشا ، وبين كونه ماشيا بالاختيار ، وبين كونه مسحوبا مجرورا على وجهه كرها.
ولقائل أن يقول :
هذا : إنما يلزم أن لو كانت القدرة فى وقت حدوثها : قدرة على الفعل فى ذلك الوقت ، وليس كذلك ؛ بل هى قدرة عليه فى الزمن الثانى على ما تقرر.