«الفصل الخامس»
فى أن القدرة الحادثة غير موجبة لمقدورها
هذا هو مذهب الشيخ أبى الحسن (١) الأشعرى / رضى الله عنه.
وقد نقل عن بعض الأصحاب : القول بكون القدرة الحادثة موجبة للمقدور.
والحق ما ذكره الشيخ ، وذلك لأن الموجب : قد يطلق فى اللسان بمعنى الموجد.
وقد يطلق بمعنى المحتم الفارض.
وقد يطلق بمعنى علة الحكم : كالعلم والقدرة ، بالنسبة إلى العالم والقادر ، وقد يطلق بمعنى المثبت ، وبمعنى المسقط.
لا جائز أن يقال بكون القدرة الحادثة موجبة بالاعتبار الأول ؛ إذ القدرة غير موجدة ، ولا مؤثرة فى الحدوث على ما سيأتى تحقيقه.
ولا بالاعتبار الثانى : إذ التحتم ، والفرض إنما هو بالحكم. والقول بوجود ذلك ؛ غير متصور فى القدرة الحادثة.
ولا بالاعتبار الثالث : فإن ذلك فرع تحقق العلة والحكم ؛ وسيأتى إبطاله.
وإن سلم كون القدرة علة ، فليست علة لكون المقدور مقدورا ؛ إذ العلة على ما يأتى تحقيقه : لا بد وأن تكون قائمة بمحل حكمها ، والقدرة الحادثة عرض ، والمقدور بها هو الفعل الحادث ؛ وهو عرض ؛ وقيام العرض بالعرض محال (٢).
ولا بالاعتبار الرابع ؛ إذ القدرة الحادثة ليست مثبتة للمقدور ؛ على ما يأتى تحقيقه ، ولا مسقطة له ؛ فلا تكون موجبة بالنسبة إليه بأحد هذين الاعتبارين.
وأن أريد غير هذه الاعتبارات المشهورة فى اللسان ؛ فلا بد من تصويره. وبتقدير تصويره ؛ فلا يقدح فيما ذكرناه من نفى الإيجاب بالاعتبارات المذكورة ؛ وهو المطلوب ، ولا منازعة إذ ذاك فى غير التسمية.
__________________
(١) انظر اللمع ص ٦٩ وما بعدها.
(٢) انظر الجزء الثانى ل ٤٢ / ب الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض.