«الفصل الخامس عشر»
فى أن القادر هل يكون ممنوعا عن مقدوره مع وجود قدرته
عليه ، أم لا؟
مذهب أهل الحق من أصحابنا : أن القادر حالة كونه قادرا ، لا يتصور أن يكون ممنوعا عن الفعل المقدور له.
وذهبت المعتزلة : إلى جواز ذلك ، وفرقوا بين العجز ، والمنع ؛ من جهة أن العجز : ما يضاد القدرة دون المقدور. والمنع بعكسه : وهو ما يضاد المقدور وينافيه ، مع بقاء القدرة. وسواء كان وجوديا مضادا للمقدور : كالسكون بالنسبة إلى الحركة المقدورة ، أو مولدا لضد المقدور : كالاعتمادات فى الجسم الثقيل المولدة (١) للحركة السفلية ؛ فإنها مضادة للحركة العلوية. أو عدميا : كانتفاء ما يشترط ثبوته فى وقوع المقدور : كانتفاء العلم بالفعل المحكم ؛ فإنه يمنع من وقوعه مقدورا ، وإن لم يمنع من نفس القدرة.
والمعتمد لأهل الحق فى ذلك مسلكان : استدلالى ، وإلزامى.
أما الاستدلالى :
فهو أنه لو تصور منع القادر عن مقدوره ؛ لما كانت القدرة مقارنة للمقدور وجوبا ؛ واللازم ممتنع.
وبيان الملازمة : أنه إذا تصور وجود القدرة مع امتناع وجود المقدور بالمانع ؛ فالانفكاك بين القدرة الحادثة ، والمقدور ، لازم قطعا ، واللازم ممتنع ؛ لما بيناه من وجود مقارنة القدرة لمقدورها ، ويلزم من الملازمة ، وانتفاء اللازم ، انتفاء الملزوم لا محالة ؛ وهو تصور منع القادر عن مقدوره.
فإن قيل : ما ذكرتموه : وإن دل على امتناع المنع ، لكنه معارض بما يدل على وقوعه ، وبيانه من ثلاث أوجه :
__________________
(١) فى ب (المولد).