فإن كان الأول : فهو أيضا محال لما سبق ـ فيما إذا كان مماسا له.
وإن كان الثانى : فهو محال ؛ لأن ما بين الحيزين من الامتداد منحصر بين حاصرين. وما لا يتناهى لا يكون منحصرا بين حاصرين.
ثم لو كان من العالم على بعد لا نهاية له ، فمن مذهب الكرامية القائلين بهذا المذهب : أن الله ـ تعالى ـ يجوز أن يكون مرئيا. ومن شرط الرؤية عندهم : أن لا يكون المرئى فى غاية البعد المفرط. فإذا كان على بعد لا نهاية له ؛ فهو فى غاية البعد المفرط ؛ فيمتنع أن يكون مرئيا على أصلهم.
هذا كله إن كان الرب ـ تعالى ـ فى الجهة والحيز (١) ، ككون الأجسام.
وإن كان فى الجهة لا ككون الأجسام : فالنزاع آئل الى اللفظ دون المعنى ، والأمر فى الإطلاق اللفظى متوقف على ورود الشرع. وسيأتى ما فيه عن قرب. وقد استدل الأصحاب على امتناع كون الرب ـ تعالى ـ فى الجهة والحيز ، بمسالك لا بد من ذكرها ، والتنبيه (٢) على ما فيها.
المسلك الأول :
وهو مسلك القاضى أبى بكر ، وهو أن قال (٣) : لو كان البارى (٤) ـ تعالى ـ متحيزا ؛ لكان مشاركا للجوهر فى أخص أوصافه ، والمشتركات فى أخص الأوصاف يلزم تماثلها ، ويلزم من ذلك أن يكون الرب ـ تعالى ـ جوهرا ؛ وهو باطل كما (٥) سبق.
وبيان أن الاختصاص بالحيز من أخص أوصاف الجوهر. أن تميز الجوهر عن جميع الأعراض ليس إلا بذلك ؛ فكان أخص وصف له.
وبيان أن الاشتراك فى أخص الأوصاف ، يوجب التماثل. أنه لو لم يكن كذلك ؛ لجاز اختصاص أحد السوادين ، بصفة لا ثبوت لها فى الثانى ، ولجاز اشتراك المختلفات
__________________
(١) فى ب (والتحيز).
(٢) فى ب (سردها).
(٣) فى ب (يقال).
(٤) فى ب (الرب).
(٥) انظر ل ١٤٢ / أوما بعدها.