«الفصل التاسع عشر»
فى الملجأ ، وتحقيق معناه
اتفقت الأشاعرة ، والمعتزلة : على أن الملجأ قادر على ما ألجئ إليه ، وأنه لم يفعل غيره (١) فيه فعلا (١) ، وإن اختلفت عباراتهم فى معنى الملجأ.
فقالت (٢) الأشاعرة (٢) : الملجأ إلى الفعل : هو الفاعل الّذي يناله ضرر ظاهر من ترك فعله ، والملجأ إلى ترك الفعل : هو الّذي يناله ضرر ظاهر من الفعل. وهو على وفق عرف أهل العرف فى إطلاق لفظ الملجأ.
وقد ترددت عبارة أبى هاشم فيه : فقال تارة : الملجأ إلى الفعل : من فعل ما أخرج فعله عن استحقاق الذم ، والمدح ، والملجأ إلى ترك الفعل : من أخرج تركه عن استحقاق الذم ، والمدح.
وقال تارة : الملجأ إلى الفعل : هو الّذي لو حاول ترك الفعل لمنع منه. والملجأ إلى الترك : هو الّذي لو حاول الفعل لمنع منه.
والعبارتان مدخولتان :
أما الأولى : فلأنها / باطلة بالصبى ، والمجنون المحمول على الفعل ؛ بل البهيمة ؛ فإنه يسمى ملجأ ، وإن لم يكن فعله مما يستحق عليه ثوابا ولا عقابا. حتى يقال بأن الإلجاء مسقط له ، وكذلك إلجاء المكلف إلى الفعل المباح إلجاء ، وإن لم يك مسقطا للثواب ، والعقاب على فعل المباح ؛ لأن إسقاط ذلك يستدعى سابقة استحقاقه ، ولا سابقة لذلك فى الفعل المباح.
وأما العبارة الثانية : فباطلة : من جهة أن المحمول على قول ، أو فعل بإلحاق الضرر به بتقدير تركه ؛ غير ممتنع عليه تركه. وإن لحقه الضرر بسببه ، ومع ذلك فهو ملجأ إليه عرفا : وإن لم يكن ممنوعا من تركه.
__________________
(١) فى ب (فيه غيره).
(٢) فى ب (وقالت).