وبيان الملازمة : أنه لو كان موجدا لأفعاله فلا يخلو : إما أن يكون موجدا لها بذاته وطبعه ، أو بالقدرة ، والاختيار.
لا جائز أن يقال بالأول ؛ إذ (١) هو (١) خلاف الإجماع منا ، ومن الخصوم.
كيف : وأنا قد بينا امتناع الإيجاد بالطبع فى الرد على الطبائعيين (٢).
/ وإن كان الثانى : فالموجد بالقدرة ، والاختيار ؛ لا بد وأن يكون قاصدا لما يوجده ، ومخصصا له بالقصد دون غيره ، وإلا لما كان وجود ذلك المخصص بالوجود دون غيره أولى من العكس ، وإذا كان لا بد من القصد ؛ فلا بد وأن يكون القاصد للشىء عالما به ؛ فإن قصد العاقل لما لا علم له به محال ؛ وهو معلوم بالضرورة.
وإذا ثبتت الملازمة. فبيان انتفاء اللازم : هو أنا نعلم علما ضروريا من أنفسنا عدم العلم بوجود أكثر حركاتنا (٣) ، وسكناتنا (٣) فى حالة المشى ، والقيام ، والقعود. ولو أردنا قصد كل جزء من أجزاء حركاتنا فى حالة إسراعنا بالمشي ، والحركة ، والإحاطة به ؛ لم نجد إليه سبيلا ؛ بل ويعلم ذلك من حال أكمل العقلاء. فما ظنك بالحيوانات العجماوات : البرية ، والبحرية ، والهوائية فى مشيها ، وسباحتها ، وطيرانها. حتى الذر ، والبعوض ؛ بل وكذا حال النائم فى منامه ؛ بل أبلغ من حيث أن النّوم ضدّ للعلم باتفاق العقلاء ، وقد قالوا : إنه فاعل لما يصدر عنه من الأفعال القليلة دون الكثيرة.
وإذا ثبت انتفاء اللازم ؛ لزم انتفاء الملزوم.
فإن قيل : سلمنا أنه لا بد وأن يكون الموجد بالقدرة ، والاختيار قاصدا لما يوجده ، وعالما به ؛ ولكن على وجه كلى ، أو على وجه جزئى.
الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ فلم قلتم : إنه غير عالم وقاصد ، لما يوجده على وجه كلى.
__________________
(١) فى ب (وهو).
(٢) انظر ل ٢٢٠ / ب وما بعدها.
(٣) فى ب (سكناتنا وحركاتنا).