وأما الحجة الثانية :
إن دلت على إبطال التولد غائبا ؛ فهى أيضا دالة على إبطال التولد شاهدا ، وما هو العذر فى الشاهد ؛ يكون عذرا فى الغائب.
التفريع الثالث :
اتفقت المعتزلة : على أن النظر الصحيح يولد العلم بالمنظور فيه ، وأنه لو ذهل عن النظر ، وعن العلم المتولد عنه ، ثم تذكر النظر ؛ فالعلم الحاصل عند التذكر ، لا يكون متولدا ؛ بل مقدورا مباشرا بالقدرة غير ضرورى.
واحتجوا : على أن العلم الحاصل عند تذكر النظر ، غير متولد من تذكر النظر بأمرين:
الأول : أنه لو كان متولدا من تذكر النظر ؛ لكان فعلا لمن تذكر النظر من فعله ، وتذكر النظر ضرورى من فعل الله ـ تعالى ـ (فالعلم (١)) المتولد منه يكون ضروريا. ولو وقعت المعرفة بالله ـ تعالى ـ عند تذكر النظر ضرورية ؛ لخرجت عن أن يكون مأمورا بها ، ومثابا عليها ؛ وهو محال بإجماع الأمة.
الثانى : أنه لو كان تذكر النظر مولدا للعلم ؛ لولده ؛ وإن عارضه شبهة ؛ لأن التذكر قبل معارضة الشبهة كهو بعدها.
والحجتان باطلتان :
أما الأولى : فمبناها على أن الأمر لا يكون إلا بما هو مخلوق للعبد ، وكذلك الثواب ؛ وقد أبطلناه فى مسألة خلق الأفعال.
وأما الحجة الثانية : فمبنية على جواز عروض الشبهة عند تذكر النظر الصحيح ؛ وهو غير مسلم التصور.
وإن سلم (٢) تصور عروضها عند تذكر النظر الصحيح ؛ فإن كان ذلك يمنع من تولد العلم من تذكر النظر عند عروض الشبهة ؛ فلا يمنع من تولده منه بتقدير عدم عروضها :
__________________
(١) فى أ (والعلم).
(٢) فى ب (سلمنا).