وأما الثالث : فلأن التولد : إما من جسم السمّ ، أو من عرض من أعراضه.
فإن كان الأول ؛ فالأجسام عندهم غير مولدة.
وإن كان الثانى ؛ فهو عود إلى القول بالطبع ؛ وهو مع بطلانه بما تقدم لم يقر به أحد من المعتزلة.
/ التفريع السادس :
قسم القائلون بالتولد الأسباب المولدة : إلى ما يولد فى ابتداء حدوثه ، وفى دوامه عند زوال الموانع : كالاعتماد : اللازم السفلى. وإلى ما يولد فى ابتدائه دون دوامه : كالمحاورة : المولدة للتأليف ، والوهى المولد للآلام ، ولم يعلموا أن المحاورة والوهى فى ابتدائه ؛ كهو فى دوامه.
فإذا قدّر انتفاء الموانع من التولّد حسب انتفائها فى الابتداء ؛ فيلزم من كونها غير مولدة فى الدوام ، أن لا تكون مولدة فى الابتداء. ومن كونها مولدة فى الابتداء ، أن تكون مولدة فى الدوام ؛ ضرورة عدم الفرق. ولو أخذ خصوص الابتداء ، أو ما لازمه شرطا فى التولّد ؛ لكان ذلك شرطا فى جميع الأسباب المولدة ؛ ولم يقولوا به.
التفريع السابع :
اختلفت المعتزلة القائلون بالتولّد فى الألوان ، والطعوم.
فذهب بعضهم : إلى جواز وقوع بعض الألوان ، والطعوم متولدة من أفعال (١) العبيد غير مباشرة بقدرهم (٢) : وذلك كلون الدبس ، وطعمه الحاصل من ضرب الدبس ، وسوطه بالمسواط ، وكذلك الحرارة الحادثة فى الجسم بمحاكته بجسم آخر ، والاعتماد عليه ، محتجين على ذلك بمآخذ احتجاجهم فى غيره من المتولدات ؛ وهو حصول اللون ، والطعم على حسب الضرب ، والسوط.
وذهب أكثرهم : إلى أن الألوان ، والطعوم ، وكذلك الحرارة لا تقع من أفعال العبيد ، لا مباشرة بقدرهم ، ولا متولدة من أفعالهم. محتجين على ذلك بأنه لو جاز تولد
__________________
(١) فى ب (فعل).
(٢) فى ب (بقدرتهم).