الفصل الثالث
فى أن الإرادة للشىء كراهية لضده (١)
مذهب الشيخ أبى الحسن ، وكثير من أصحابه : أن عين إرادة الشيء ، كراهية لأضداد ذلك الشيء ؛ ولكن مقتضي أصل الشيخ ، وإن لم يكن مصرحا به من جهته : أن يكون المريد للشيء عالما بأن الشيء له أضداد ، فإن من لا يعلم وجود الشيء ؛ فلا يتصور أن يكون كارها له.
فإذن الإرادة للشيء : كراهية لأضداده (٢) ، حالة علم المريد بالأضداد ، لا حالة جهله بها.
وقال الاستاذ أبو إسحاق : إرادة الشيء لا تكون بعينها كراهية لأضداد ذلك الشيء مطلقا ؛ لأنها لو كانت الإرادة للشيء كراهية (٣) للضد (٣) ؛ لكان ذلك لها من صفات نفسها ، وصفات النفس لا تزول. ولو كان كذلك ؛ لكانت الإرادة للشيء كراهية لضده حالة الجهل به ؛ وهو محال لما تقدم.
وقال إمام الحرمين : هذا هو أيضا مقتضى أصل القاضى ، والحجة لمذهب الشيخ أبى الحسن : أن المريد للشيء تلازمه الكراهية لأضداده لا محالة على ما يجده كل عاقل من نفسه ، والكراهة : إما أن تكون عين الإرادة ، أو غيرها.
لا جائزة أن يقال بالمغايرة : وإلا فذلك الغير : إما أن يكون مثلا للإرادة ، أو لا يكون مثلا لها.
فإن كان مثلا : فالمثلان لا يجتمعان فى محل واحد على ما يأتى فى التضاد (٤).
وإن لم يكن مثلا : فهو خلاف ؛ والخلاف : إما ضد ، أو ليس بضد. لا جائز أن يكون ضدا : وإلا لما اجتمعا ؛ وقد اجتمعا.
وإن لم يكن ضدا : فكل خلافين ليسا بضدين أمكن وجود أحدهما دون الآخر : كالعلم ، والقدرة ، ونحوهما ؛ وهو خلاف ما قيل من التلازم ؛ بل وأمكن وجود كل واحد
__________________
(١) فى ب (لأضداده).
(٢) فى ب (لضده).
(٣) فى ب (كراهة ضده).
(٤) انظر الجزء الثانى ل ٧٨ / أوما بعدها.