الفصل الخامس
فيما يجوز تعلق الإرادة به ، وما لا يجوز
أما (ما لا (١) يجوز (١)) تعلق الإرادة به : فالمستحيلات : كالجمع بين الضدين ، وانقلاب الحادث قديما ، والقديم حادثا. إلى غير ذلك.
ولا فرق فى ذلك بين الغائب ، والشاهد ؛ لكن مع العلم بالاستحالة شاهدا ، وكذلك الحكم فى إرادة القديم الواجب ؛ إذ الإرادة إنما هى للتحصيل ، وتحصيل الحاصل محال. وكل (٢) ذلك (٢) مما لا خلاف فيه بين العقلاء.
وأما ما يجوز تعلق الإرادة به : فكل ما هو جائز فى (٣) نفسه ، وسواء كان مقدورا للمريد ، أو غير مقدور له. وسواء كان وجودا ، أو عدما. وسواء كان العدم طارئا ، أو أصليا : كإرادة أن لا يحدث الشيء.
وذهب بعض المعتزلة : إلى امتناع إرادة العدم المحض.
/ ومنهم : من جوز ذلك ؛ لكنه لم يصف العدم بكونه مرادا ، وإن تعلقت الإرادة به كما قال أبو هاشم فى العلم بالمستحيلات.
والمذهبان باطلان.
أما الأول : فلأنه خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه من إرادة أن لا يكون الشيء كما يجده من إرادة كونه ؛ وليس ذلك عائدا إلى إرادة الضد ؛ فإنه قد يريد ألا يحدث ما لا ضد له : كالجوهر. وليس الفناء ضدا للجوهر ليقال بتعلق الإرادة به على ما سنبينه ، وبتقدير كون الفناء ضدا ؛ فإنما يكون بعد حدوث الجوهر لا قبله ؛ فلا يمكن أن تكون إرادة ألا يحدث الجوهر إرادة لفنائه. وبتقدير تحقق الفناء قبل حدوث الجوهر ، فقد يريد ألا يحدث الجوهر من لا يخطر الفناء بذهنه.
وأما المذهب الثانى : فبطلانه بما أبطلنا به قول أبى هاشم فى علم لا معلوم له.
فإن قيل : إذا جوزتم تعلق الإرادة بكل جائز ؛ فكل باق مما ليس واجبا لذاته جائز ، (فلتكن) (٤) الإرادة متعلقة به ، ولم يقل به أحد من العقلاء.
__________________
(١) فى أ (ما يجوز)
(٢) فى ب (وذلك).
(٣) فى ب (أن يكون فى).
(٤) فى أ (ممكن)