الفصل السادس
فى تحقيق متعلق الإرادة
ذهب القاضى أبو بكر ، والبصريون من المعتزلة : إلى أن الإرادة إذا تعلقت بقول ، أو فعل ؛ فلا بد وأن تثبت له حالة زائدة على ذاته.
أما فى القول : فكما لو قال القائل لغيره : افعل. فإنه إذا أراد به الإيجاب ، أو (١) الندب ، أو الإباحة (١) ، أو التعجيز ، أو التسخير ، أو التأديب ، إلى غير ذلك من المحامل ؛ فقد أفادت الإرادة قوله : افعل. إثبات حالة زائدة فى كل واحدة من هذه الصور : وهى ما به التمايز بين هذه الجهات. وإن كان قوله : افعل. متحدا لا اختلاف فيه.
وأما فى الفعل : فكالسجود : فإنه بالإرادة (٢) لله ـ تعالى ـ ثبتت (٣) له صفة الطاعة ، وبالإرادة (٤) للصنم يثبت له بها صفة المعصية. وإن كان السجود متحدا ؛ لا اختلاف فيه إلى نظائره.
ولهذا قال الكعبى : إن قوله : افعل ، وهو موجب ، خلاف قوله : افعل ؛ وهو نادب.
وخالفهم فى ذلك بعض أصحابنا.
احتج القاضى ، ومتبعوه : بأن الإرادة لا بد لها من مراد ، وأنه يستحيل وجود إرادة لا مراد لها ، كما يستحيل وجود علم لا معلوم له ، وقدرة لا مقدور لها. ومتعلق الإرادة فى هذه الجهات القولية ، والفعلية ، ليس هو نفس القول ، أو الفعل ، لعدم الاختلاف فيه ؛ فلم يبق إلا أن تكون صفة زائدة عليه.
وأيضا : فإن العاقل يجد من نفسه التفرقة بين هذه الأقوال ، والأفعال ؛ وليست التفرقة عائدة إلى ما به الاتفاق : من القول ، أو الفعل ؛ فلم يبق إلا أن تكون عائدة إلى ما به الافتراق. وما به الافتراق غير ما به الاتفاق ؛ وذلك هو المطلوب.
__________________
(١) فى ب (أو الإباحة والندب).
(٢) فى ب (بإرادة).
(٣) فى ب (يثبت).
(٤) فى ب (وبإرادته).