ومن أصحابنا : من فصل بين قوله : إن الله يريد بالكافر الكفر ، وبين قوله : يريد منه الكفر ؛ فأجاز الأول ، ومنع الثانى ؛ لإنبائه عن الرضا بالكفر بخلاف الأول.
وأما المعتزلة فإنهم قالوا : ما كان من أفعال الله ـ تعالى ـ فهو مراد له ، غير إرادته الحادثة على ما فصلنا مذهب الجبائى ، وابنه فيه (١).
وما كان من أفعال العباد المكلفين ؛ فإن كان واجبا : أراد وقوعه ، وكره تركه.
وإن كان حراما : كره وقوعه ، ولا يريد وقوعه.
وإن كان مندوبا : أراد وقوعه ، ولا يكره تركه.
وإن كان مكروها : كره وقوعه ، ولا يريده.
وإن كان مباحا : فلا يريده ، ولا يكرهه.
وما كان من أفعال غير المكلفين : كالصبيان ، والمجانين ، والبهائم ؛ فحكمها حكم الأفعال المباحة من المكلفين.
(وأما) (٢) حجة أصحابنا فى الطرف الأول ـ وهو أن كل (جائز) (٣) كائن فمراد (٤) لله ـ تعالى ـ : هو أن كل كائن فهو مخلوق لله ـ تعالى ـ ، وكل مخلوق لله ـ تعالى ـ ؛ فهو مراد له ؛ فكل كائن فهو مراد له.
أما بيان المقدمة الأولى : فما مر (٥) فى الأصل الّذي قبل هذا الأصل.
وأما المقدمة الثانية : فهو أن كل مخلوق لله ـ تعالى ـ فلا بد وأن يكون جائز الوجود ، وجائز العدم ، وإلا كان واجبا لذاته ، أو ممتنعا ؛ وخرج عن كونه مخلوقا.
وكل جائز : فلا بد له فى (٦) وجوده وحدوثه ، من مخصص ، وإلا كان وجود (٦) أحد الجائزين من غير مخصص ؛ وهو محال.
فإذن كل مخلوق لله ـ تعالى ـ لا بد له من مخصص ؛ وكل ما لا بد له من مخصص ؛ فلا بد وأن يكون مرادا ؛ إذ لا مخصص غير الإرادة ؛ على ما تقدم. فكل مخلوق
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) ساقط من أ.
(٣) ساقط من أ.
(٤) فى ب (فهو مراد).
(٥) فى ب (سبق).
(٦) فى ب (من مخصص فى وجوده وحدوثه وإلا لزم).