«المسألة السادسة»
فى أن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس فى زمان (١)
اتفق العقلاء على أن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس وجودا زمانيا ، ولم ينقل عن أحد من أرباب المذاهب خلاف فى ذلك. وإن كان مذهب المجسمة (٢) يجر إليه كما يجر إلى التحيز ، والمكان. ومعنى كون الوجود زمانيا : أنه لا يتصور كونه إلا فى زمان ، كما أن الوجود المكانى ، هو الّذي لا يتصور كونه إلا فى مكان ، والدليل على أن وجود الرب ـ تعالى ـ ليس وجودا زمانيا. هو أن المفهوم / من الزمان : إما أن يكون وجودا ، أو عدما.
لا جائز أن يكون عدما : وإلا كان سلب الزمان قبل وجود العالم وجودا ولا أول لسلبه ؛ فيكون قديما ؛ وهو محال. كما سيأتى فى تحقيق حدوث كل موجود سوى الله ـ تعالى ـ (٣).
وإن كان المفهوم من الزمان وجودا : فلا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا. لا جائز أن يكون قديما : لما يأتى.
وإن كان حادثا : فإما أن يتصور وجود الرب ـ تعالى ـ دونه ، أو لا يتصور.
لا جائز أن يقال بعدم وجود الرب تعالى دونه : وإلا كان وجود الرب تعالى حادثا ؛ ضرورة ملازمة الحادث له ، وخرج عن كونه واجبا ؛ وهو محال.
وإن قيل بجواز وجود الرب ـ تعالى ـ دونه : فليس وجوده وجودا زمانيا ؛ وهو المطلوب.
__________________
(١) انظر المواقف للإيجي ص ٢٧٤.
(٢) المجسمة : هم الذين قالوا إن الله تعالى جسم ، وإن قال بعضهم أنه جسم لا كالأجسام.
ومنهم من قال : إن الله تعالى جسم ممدود ، عريض ، عميق ، طويل طوله مثل عرضه ، وعرضه مثل عمقه ، وهو يتحرك ، ويسكن ، ويقعد ، ويقوم (تعالى الله عن قولهم).
وقد قال بالجسمية بعض الروافض من الشيعة ، والكرامية ، وبعض المدعين للسلفية (انظر الملل والنحل ١ / ١٠٣ ـ ١١٣ ونشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام ١ / ٣٨٥ ـ ٤٢٩).
(٣) انظر الجزء الثانى ل ٨٢ / ب وما بعدها.