المسلك الثالث :
وهو خصيص بامتناع حلول ذات البارى ـ تعالى ـ فى بعض الأجسام دون البعض كما هو مذهب الحلولية (١) ، وهو أنه لو جاز حلول ذات البارى ـ تعالى ـ فى بعض الأجسام ؛ فلا بد وأن تكون ذات ذلك الجسم قابلة لحلول ذات البارى تعالى ـ فيها ؛ وأن تكون ذات البارى ـ تعالى ـ قابلة للحلول فى ذلك الجسم ، وإلا كان القول بجواز الحلول مع امتناع القبول من الطرفين ، أو من أحدهما ؛ ممتنعا.
وعند ذلك : فإما أن يكون قبول ذلك الجسم لحلول ذات الله ـ تعالى ـ فيه ، وقبول ذات الله ـ تعالى ـ لحلولها فيه ، لعموم كونه جسما ، أو لما به تعينه ، وتخصصه من الصفات الموجبة لتميزه عن غيره من الأجسام.
فإن كان الأول : فيلزم منه جواز حلول الرب ـ تعالى ـ بكل جسم من الأجسام حتى أجسام الجمادات ، والحشرات ، والمستقذرات من النجاسات (٢) والرب تعالى ـ يتقدس (٢) عن ذلك.
وإن كان الثانى : فما اختص به ذلك الجسم من الصفات إما أن يكون ذلك لذاته ، أو لمخصص من خارج.
فإن كان لذاته : فالأجسام مشتركة فى معنى الجسمية. فما اختص به جاز أن يختص به غيره ؛ فيكون أيضا قابلا لحلول ذات البارى ـ تعالى ـ فيه. وإن كان لمخصص من خارج : فإما أن يكون مخصصا بالطبع ، أو الاختيار. فإن كان مخصصا بالطبع ؛ فهو محال ؛ لتساوى الأجسام بالنسبة إليه.
وإن كان مخصصا بالاختيار ؛ فما (٣) جاز على الفاعل المختار تخصيص ذلك الجسم بما تخصص به ؛ جاز أن يخصص به ما هو مماثل له فى الجسمية.
__________________
(١) الحلولية : هم قوم أجمعوا على إفساد القول بتوحيد الصانع. وهم النصارى الذين قالوا بحلول اللاهوت بالناسوت ، وتدرعه به ، واتحاده به ، والنصيرية والإسحاقية من غلاة الشيعة الذين قالوا : إن الله حل فى أئمتهم ؛ فظهر بصورهم ، ونطق بألسنتهم. ومنهم بعض المشبهة الذين قالوا إن روح الآدمى من روح الله ، ومنهم بعض المتصوفة القائلين بالحلول ، والاتحاد.
(٢) فى ب (النجاسة والرب يتعالى ويتقدس).
(٣) فى ب (فكما).