«المسألة الثامنة»
فى الرد على النّصارى
وقد اتفقت النصارى على أن الله ـ تعالى ـ جوهر. بمعنى أنه قائم بنفسه غير متحيز ، ولا مختص بجهة ، ولا مقدر بقدر ، ولا يقبل حلول الحوادث / بذاته ، ولا يتصور عليه الحدوث والعدم ، وأنه واحد بالجوهرية. ثلاثة بالأقنومية. والأقانيم : هى صفات الجوهر القديم. وهى الوجود ، والعلم ، والحياة. وعبروا عن الوجود : بالأب ، والحياة : بروح القدس ، والعلم : بالكلمة.
واتفقوا على تدرع الكلمة : ـ وهى أقنوم العلم ـ بالمسيح ، واتحادها به دون باقى الأقانيم ، وعلى تسمية المسيح مع ما تدرع به من أقنوم العلم ابنا.
واتفقوا أيضا على أن عيسى ولدته أمه مريم ، وأنه قتل ، وصلب ، وصعد إلى السماء.
ثم اختلفوا :
فذهبت الملكانية (١) : أصحاب ملكا ـ الّذي ظهر بالروم ، واستولى عليها ـ إلى أن الأقانيم : غير الجوهر القديم ، وأن كل واحد منها : إله. وصرحوا بإثبات التثليث (٢). كما قال الله ـ تعالى ـ إخبارا عنهم : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٣). وأن الكلمة اتحدت بجسد المسيح ، وتدرعت بناسوته ، وامتزجت به : كامتزاج الخمر بالماء ، أو اللبن. ثم صارا شيئا واحدا ، وانقلبت الكثرة قلة : أى العدد وحدة ، وأن المسيح ناسوت كلى لا جزئى. وهو قديم أزلى ، وأن مريم ولدت إلها أزليا ، مع اختلافهم فى مريم : أنها إنسان كلى ، أو جزئى.
واتفقوا : على أن اتحاد اللاهوت بالمسيح ، دون مريم ، وأن القتل ، والصلب وقع على الناسوت ، واللاهوت معا. واطلقوا لفظ الابن : على عيسى ، والأب : على الله تعالى.
__________________
(١) الملكانية : من أقدم المذاهب المسيحية : وهم أصحاب ملكا الّذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها ، وكان معظم الروم ملكانية. وهذا المذهب كان منتشرا فى البلاد التى فتحها المسلمون ، ويبدوا أنه كان المذهب الرسمى فى ذلك العهد. (انظر المغنى ٥ / ٨٤ والملل ٢ / ٢٧ ـ ٢٩ ونشأة الفكر الفلسفى ١ / ٩٧ ، ٩٨).
(٢) فى ب (الثلاث).
(٣) سورة المائدة ٥ / ٧٣.